“الأستانا” لإنتاج بشار.. و”جنيف” بعدها للتغليف

ويبدو أن معظم المفاوضين الأوائل الذين تم اختيارهم في الرياض على الهوى الأميركي الكامل، وتم تدريبهم هناك، قد أُبعدوا عن الأستانا وتُركوا للجولة التالية في جنيف، واختارت روسيا للأستانا نوع المفاوضين الذي تريد؛ لتجعل الصبغة عسكرية ميدانية أكثر وأبرز مع وجودٍ لبعض الممثلين عن هيئة التفاوض والائتلاف كعناصر ارتباط.

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/26 الساعة 03:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/26 الساعة 03:27 بتوقيت غرينتش

كثيرون اقتنعوا أن الغموض الشديد يكتنف فعلاً مفاوضات الأستانا القادمة، ولصنع هذا الغموض أتت كل الروايات والتوقعات والإشاعات التي تُضخ عبر الوسائط المختلفة ولم تتوقف أبداً.

وكل الكلام اتجه بعيداً عن الذي تحضره موسكو في الأستانا، وما تحضره موسكو ليس فيه أي غموض فهي تخطط لمفاوضات يتفاوض فيها الجميع على ما يريدون إلا على بقاء بشار الأسد.

التسوية من أي شكل تريدون وبأي تفاصيل تختارون، ولكن تحت مظلة بشار الأسد، وعلى هذا الأساس الثابت تصرف الروس منذ البداية، وأميركا حاولت أن تجد بديلاً، ولمّا فشلت أصبحت مقتنعة تماماً ببقاء بشار الأسد، ولحقت الدول الأوروبية كلها كالعادة بالقناعة الأميركية.

وآخر الملتحقين المضطرين بهذه القناعة كانت تركيا التي صرَّح نائب رئيس الوزراء فيها عن ذلك في دافوس، وبدون أي غموض نجد أنَّ ما يجمع كل المفاوضين المنتدبين عن الفصائل ومن أضيف إليهم تحت مسميات شتى -سياسية واستشارية وإعلامية- هو أنهم جميعاً تحت التواصل والضغط والتعهد مع دول راعية وداعمة قريبة أو بعيدة.

ويبدو أن معظم المفاوضين الأوائل الذين تم اختيارهم في الرياض على الهوى الأميركي الكامل، وتم تدريبهم هناك، قد أُبعدوا عن الأستانا وتُركوا للجولة التالية في جنيف، واختارت روسيا للأستانا نوع المفاوضين الذي تريد؛ لتجعل الصبغة عسكرية ميدانية أكثر وأبرز مع وجودٍ لبعض الممثلين عن هيئة التفاوض والائتلاف كعناصر ارتباط.

ويتجه المفاوضون، برئاسة محمد علوش، دون أي خطة أو خارطة طريق خاصة بهم يعرضونها سوى فك الحصار والمعتقلين؛ بل صرّح محمد علوش ممتدحاً ممهداً للدور الروسي، وقال: إنه يرى خطاباً روسياً جديداً يجب أن يُستثمر.

ودون أي غموض أيضاً صرَّح بشار الأسد عن الأستانا بأن أقصى ما عنده هو عفوٌ يقدمه لبعض الجماعات المسلحة، والسماح لها بالمشاركة بالهدن والمصالحات المحلية التي مهَّدت له أصلاً لابتلاع كثير من الأراضي والمناطق المحررة.

تصريحات بشار الأسد وموفديه التي كانت تصدر قبل جولات جنيف تطابقت سابقاً مع ما جرى فعلاً في المفاوضات؛ لوجود الضمانات الروسية والإيرانية من خلفها حول بقاء بشار الأسد، وستتطابق التصريحات مع النتائج هذه المرة أيضاً، ولن يكون أمام وفد الفصائل إلا محور واحد ألا وهو الموافقة على بقاء بشار الأسد.

في الأستانا قد يقوم المعدّون والمخرجون بإنشاء ورشات عمل ظاهرية تناقش تفاصيل تثبيت وقف إطلاق النار وفك الحصار والمعتقلين، وخلف أبواب أخرى سيتم طرح محور بقاء بشار سراً أو علناً؛ لتتم غربلة وفرز الذين يمكن أن يتفهموا ويوافقوا عن المتشددين الرافضين مطلقاً، وسيكون هناك بلا ريب حضور قوي للضاغطين المؤثرين.

لقد جرت عملية الفرز الأولى في أنقرة وفي الأستانا، الفرز النهائي الذي على أساسه سيُضاف الرافضون المتطرفون إلى بنك الأهداف العسكرية على الأرض، وينتقل الموافقون المتفهمون المعتدلون إلى جنيف؛ حيث سيُرحَّل الإعلان عن التسوية إلى هناك لضرورة التعبئة والتغليف.

الإبقاء على بشار الأسد ليس بالأمر البسيط، ولا بد له من تعبئة وتعليب في تسوية مقنعة، ثم تغليفها بغلاف مغرٍ مقنع، مؤتمر جنيف سيكون مؤتمر التعليب والتغليف.

التسوية السياسية هي التفاصيل الكثيرة المتشعبة والمعقدة التي ستُعلب بقاء بشار الأسد، ولا بد أن تكون التفاصيل معقدة، وفي نفس الوقت بعضها متروك مؤجل لإفساح الفرص للمناورة والتهرب والتغيير في المستقبل.

أما التغليف فلا بد منه عاجلاً، ولا بد من أن يكون مقنعاً مغرياً جاذباً لأكبر عدد ممكن من الناشطين في الثورة السورية، ولا بد أن يلبي أموراً معنوية دعائية، وأن يلعب على أوتار حساسة مشدودة.

قد يختارون تغليفاً فيه أن بشار يبقى حتى نهاية مدته في عام 2021، وأنه لن يترشح بعدها، وحتى ذلك الحين تتغير أمور وتستجد أمور.

وقد يختارون تغليف الانتخابات المبكرة بعد سنة، يترشح فيها بشار الأسد، ومن أراد أن ينافسه فالساحة مفتوحة، والضمانات بانتخابات نزيهة أممية دولية، والشعب يختار بحرية بوجود الرعب وأشباح الرعب وشبيحة الرعب.

وقد يختارون تغليف نزع الصلاحيات من بشار، وجعلها في يد حكومة شراكة وطنية، وتبقى دولة الاستبداد العميقة هي الحاكم الفعلي، ومرتبطة عبر أعماقها السحيقة ببشار الأسد.

وقد يضيفون تغليفاً أكثر ترغيباً وإغراء فيه دول مانحة، وفيه أرقام ضخمة مشروطة لإعادة البناء والإعمار، ووعود للاستثمار وخلق الفرص والعمل.. ولو صدقت الدول المانحة أصلاً مع الثورة السورية لما وصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن.

هما مؤتمران متتاليان؛ مؤتمر للضغط والفرز والتصنيف النهائي، ومؤتمر للتعليب والتغليف.

وفي كلا المؤتمرين هناك مصطلحات تغليفية لازمة ستتكرر: محاربة الإرهاب والجماعات الإرهابية، ضرورة مشاركة الجميع في الحرب على الإرهاب، حقن الدماء أولوية وضرورة ودافع.

ولكن لن يستطيع أحد أن يُروّج في التعليب والتغليف لحقوق أكثر من مليون شهيد ومفقود، وأكثر من مليون معتقل مؤقت ودائم، وأكثر من ثلاثة عشر مليون لاجئ ونازح، وغير ذلك كثير.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد