"هبّة.. انتفاضة.. حركة" كل هذه مسميات كان من الممكن أن نستخدمها في وصف ما حدث في 25 يناير/كانون الثاني 2011، لكننا بولعنا الشديد بالمبالغة المتأصلة فينا أصررنا من اليوم الأول على أن نسميها ثورة، والمبالغة في الوصف كالمبالغة في المشاعر هي عنصر أساسي من مكونات الشخصية المصرية، فكل رئيس هو زعيم تاريخي، وكل حدث هو لحظة فارقة، وكل يوم هو منعطف تاريخي؛ حتى لتجد أغلب ماضينا وحاضرنا ينحصر في صيغة أفعل التفضيل.
وهكذا كان ما بدأ يومها ثورة، ونحن الآن بعد مرور ست سنوات يحق ويجب أن نسأل: هل كانت ثورة؟ ونتجاوز كل من يعتقد أن مجرد إطلاق مثل هذا السؤال جرم وطني، معتقداً أن التحليل الدقيق لما حدث بالضرورة سيسلب من الحدث ومن صانعيه الكثير، وأرى أن التحليل لا بد أن يكون، والتحرير لا بد أن يكتمل، وقد ينقص أو يزيد من الحدث فلا نلوي على باطل.
لا يوجد للثورة تعريف محدد إلا بنتائجها، لكن الحدث نفسه وماهية المشتركين به وعددهم وطبيعة سريان الأمور به لا تفي وحدها بتحرير الوصف؛ إذ إن وصف الثورة يختلف من بلد لبلد، ومن زمن لزمن؛ بل داخل البلد نفسه هناك اختلاف حول وصف ثورة لحدث ما ماضٍ، ومن الطرافة أن وصف ثورة نفسه قد ينسحب فترة من الوقت على حدث ثم لا يلبث أن يسحب منه بعد مرور الأيام واختلاف الظروف.
أجمع أغلب الباحثين عن أن وصف الحدث بالثورة لا يمكن إلا بالنظر إلى نتائجها، ورغم أن هذا قد يسقطنا في زاوية براغماتية حادة، فإن التاريخ يذكر لنا من أحداث ما فشل في تحقيق ما يرجو من النتائج، لكن الحدث نفسه استكمل جميع مواصفات الحالة الثورية، فاستحق أن يوصف بالثورة، إذاً فوجود الحالة الثورية يساعد بجانب النتائج في تحرير الوصف، والحالة الثورية لا تقف على التظاهر، كما يظن البعض؛ بل هناك التمرد بأنواعه، والعصيان وكسر الأعراف والقوانين، بجانب التجمهر، وما عرف من أحداث.
ونحن أمامنا حالان؛ إما أن نكون في شرعية دستورية، أو شرعية ثورية، وللتوضيح فالشرعية هي حجة الفعل، أي أن الموجود موجود في مكانه، ويفعل ما يراه حقه بسبب ما، هذا السبب هو شرعيته، فإن كان حاكماً أتى بوراثة عرش أقرها الدستور، فهذه شرعية دستورية ملكية، أما إن كان هذا الحاكم قد أتى بعملية انتخابية فهذه شرعية دستورية جمهورية وهكذا، أما إن كان هذا الحاكم قد أتى نتيجة حركة أو حدث خارج النسق والسياق الدستوري، فهذه هي الشرعية الثورية التي تكون نتيجة الحالة الثورية التي تحدثنا عنها.
وقد يقول البعض بعدم تمام الحالة الثورية في النموذج المصري، وذلك لغياب زعامة محددة، سواء فرد أو مجموعة أيضاً، بعدم تحديد الأهداف، وأيضاً عدم تدقيق مسار الأحداث، ونعم هذا ينقص من تمام الحالة الثورية، لكن كان يمكن أن تكتمل بدون كل هذا، وهذا ما لم يحدث.
ورغم أنه إلى الآن لا يستطيع أحد ما أن يجزم أنه يعلم يقيناً ماذا حدث وكيف بدأ وكيف تطور وعلام انتهى، فأغلبيتنا لا يعلم حقيقة وكامل ما حدث، بل أراها زوايا متعددة كل ينظر إلى ما أمامه، ويظنه الحقيقة كاملة، تماماً كنموذج العميان مع الفيل، لا أحد يملك كامل الحقيقة، والكل يعتقد أن جانبه فقط هو الصواب، والآخرون جانبهم الصواب.
ونقول: رغم كل هذا ودون الدخول إلى إشكالية جدلية حول توصيف ما حدث، فإنها حتى إن كانت ثورة فقد انتهت بجميع المقاييس يوم 19 مارس/آذار يوم خروج الجماهير لإقرار خطوات تعديل الدستور في الاستفتاء الشهير بغزوة الصناديق، فمجرد الموافقة على هذه الخطوات ينهي تماماً الحالة الثورية، وينقل البلاد إلى حالة شرعية تستند إلى نتيجة الاستفتاء.
إن الاختلاف في توصيف ما حدث ليس بالأهمية التي نظنها، وإن أردنا حقاً النظر للماضي للتعلم واستقاء الدروس فعلينا ألا نتوقف عند هذه الأحداث، بل علينا أن نجهد أنفسنا في معرفة ماذا حدث بعد 19 مارس، فهذا هو التاريخ الأهم لبداية ما نحن فيه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.