تذكر يا رفيق الميدان، تذكر يا مَن كنت لا تنام تتابع شاشة الجزيرة؛ لأن قلبك معلق بهذه الآلاف المعتصمة في الميدان حتى رحيل النظام، تذكر يا مَن شكّلت مع جارك لجاناً شعبية لتحمي حيّك من الانفلات الأمني المقصود لقتل الثورة مبكراً، تذكر لحظة تنحّي المخلوع يوم الحادي عشر من فبراير/شباط، هذه اللحظة التي هتف فيها الميدان، وهتفت خلفه مصر بأكملها: "ارفع راسك فوق أنت مصري" إيذاناً بعصر جديد، عصر لن يذل فيه المصري ثانيةً.
فقد انتهى عصر الإذلال، انتهى عصر السيد والعبد، انتهى عصر "انت ما تعرفش أنا ابن مين؟".. بدأ عصر يشعر فيه المصري الذي طالما تغنّوا بمجده الذي لم يرَ منه سوى الأثر، وقرأ عنه في الكتب، وسمع عنه في الأغاني.
هذا الوطن الكبير المهيب والفاعل في العالم لم يجد مواطنه ما سمعه وقرأه وتعلمه وتغنّى به سواء في الخارج أو الداخل؛ لأنه دوماً كان مختزلاً في الحاكم الفرد.
ليلة الحادي عشر من فبراير شعر المواطن أن حلمه يوم الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني قد تحقق، بدأ يشعر أن كرامته رُدت إليه، وأن إنسانيته التي لم يعِشها يوماً قد نفخ فيها الروح كي يحياها قبل أن يموت مثلما مات من قبله ولم يعِشها.
فقد كان المواطن المصري مهاناً في المدرسة والجامعة والعمل وقسم الشرطة وفي المحكمة، ولم يكن له قيمة حتى أيام الانتخابات، فلم يكونوا يحتاجون حتى لصوته الانتخابي، فقد كانوا يقومون باللازم حتى لا يشعر ولو كل خمس سنوات أن له قيمة من خلال صوته الانتخابي.
شعر المصري أخيراً بعد تنحّي المخلوع أن له إرادة، وإرادته نفذت بتنحي المخلوع، فذهب نظامه وذهب معه الذل والقهر والتهميش، ومن هذا اليوم فصاعداً سيكون له كلمة مسموعة في هذا الوطن وستعلو إرادته، فإرادته هي المكون الحقيقي لخطط هذا الوطن المستقبلية، وسيحسب القائمون على الأمر في هذا الوطن ألف حساب له ولصوته ولرأيه، وعندما كتب المصريون دستورهم، دستور الثورة، آثروا أن يتضمن هذا المعنى في دستورهم، فهذا ما نادت به ثورتهم ومات من أجله شهداؤها.
وإذ إننا في معرض تاريخ نعرفه جميعنا وعايشناه، فلن أسرد ما كان خلال ثلاث سنوات من علو لهذا الشعور وهبوط له، ومحاولات كانت مستميتة لوأد هذا الشعور، حتى أتى الانقلاب وحرص على استعادة كل مكونات النظام البائد، ولكي يصل لذلك حرص على استعادة أمرين:
الأمر الأول: محاولة الانقلابيين بكل ما أوتوا من قوة وبطش بآلياتهم ورصاصهم وزوّار الليل إعادة الخوف إلى قلوب المصريين، وهو ما لم ينجحوا ولن ينجحوا -بحول الله وقوته- في إعادته حتى الآن، فإن كان الحراك قد ضعف، إلا أن جذوته في القلوب تنتظر اللحظة.
فقد فجّرت ثورة يناير ينابيع الحرية في قلوب المصريين، فسَرَت في عروقهم وارتوت الروح منها، فأنبتت شجرة تستعصي على الخوف أن يقطعها، وعلى الذل أن يقلعها.
والأمر الثاني الذي حرص الانقلابيون على إعادته هو إذلال هذا الشعب وإشعاره بأنه قاصر وغير قادر حتى على إطعام نفسه، وهذا يتقابل ورغبة أعدائنا في كبح جماح هذا المارد الصاعد، صاحب الأمل العريض في حياة أفضل، تزاحم حياة شعوب العالم الأول، وهو -بإذن الله- قادر، والإمكانات على تحقيق ذلك متاحة؛ لذلك يسعى نظام الانقلاب لتدمير مقدرات هذا البلد، وتفقير شعبه، وجعل عصمته في يد ثلة متراصة يجمعها الفساد، والأمثلة كثيرة من أول انهيار الجنيه المصري، مروراً بغلاء الأسعار وزيادة البطالة، ورفع الدعم حتى يعيش هذا الشعب العوز الذي به يمد يده إلى من بيدهم مفاتيح العيش، فلا يتمنون فراقهم؛ لأن بفراقهم تضيع مقومات الحياة، وهي أحقر طريقة يمكن لحاكم أن يتسلط بها.
كما أن نظام الانقلاب لم يترك صديقاً إلا وأغلق الباب دونه؛ حتى يعزل هذا البلد الرائد عن محيطه الإقليمي والدولي، وهي خطة بدأها من سبقه من حكام العسكر، فتفتيت المحور الذي تدور حوله الدول العربية، ثم هدم هذا المحور هي خطة نفذها باقتدار حسني مبارك ويتممها السيسي، حتى ينتهي هذا البلد للأبد، لكن هيهات.
والله لن تكسرونا، ولن تذلونا، ولن تستعبدونا، وإننا نعدكم بتحرير شعبنا من أيدي الطغاة البغاة القابعين على خيرات هذه البلاد، ويمنّون على الشعب صاحب هذه الخيرات بما يفيض منهم من فتات لا تقيم الصلب ولا تروي الرمق.
سنتحرر من هؤلاء الطغاة سارقي أقوات الشعب والجاثمين على رغباته في النهوض والتقدم ومواكبة الشعوب المتقدمة والوقوف في مصافهم، لكن ولكي يحدث ذلك علينا أن نعيد روح يناير، علينا أن تجمعنا يناير، فنحن مع بعض نقدر، وأول طريق الوحدة ترك الملاومة.
فوالله إن الفرج قريب، والنصر أقرب مما نتخيل، وسنرفع رؤوسنا، وستعلو راياتنا، رايات العزة، وسنظل أحراراً بثورتنا، ولن تخفت جذوة ثورة الحرية مهما قالوا أو فعلوا، وسنقاوم وسننتصر بإذن الله.
لكن علينا أن نثور على أنفسنا أولاً، وننفض عنا ما يمكن أن يؤخر هذا النصر، فنحن واثقون بموعود الله، وسيعلم يومئذ من يداهن ويدلس ويكذب وينافق ويشارك الانقلابيين ويبيع شعبه من أجل أن يذل تحت أقدام الانقلابيين أننا على الحق، وأن العاقبة لنا، وسنعيد هتافنا السرمدي: "ارفع راسك فوق انت مصري".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.