بعد مرور 6 سنوات من الإطاحة بالرئيس الأسبق، حسني مبارك، أودت موجة القمع بمئات الآلاف من النشطاء إلى السجن.
وفي هذا الصدد، نقل إسلام خليل شهادته لصحيفة El mundo الإسبانية عن أجواء التعذيب في سجون النظام المصري بقيادة المشير السيسي، حيث قال: "خلال الأيام الأربعة الأولى من الاحتجاز في السجن، أُجبرت على البقاء واقفاً طوال الوقت وكنت دون طعام ومعصوب العينين. كنت أعتقد أنني سأسقط مغشياً عليّ في نهاية المطاف".
وأضاف إسلام: "خلال استجوابي، سألني عناصر الشرطة عن أماكن وأشخاص لم أسمع عنهم في حياتي قط. ومن ثم، أعلمني ضباط الشرطة أن عقوبتي قد تمتد إلى 10 سنوات في حال مثلت أمام المحكمة العسكرية. وعندما رفضت التهم التي نسبت إلي، عُلقت من ساقي في السقف، ومن ثم شرع رجال الشرطة في تعذيبي عن طريق الصعقات الكهربائية".
وخلال سرده لقصة تعذيبه في السجون المصرية، اغرورقت عينا إسلام خليل بالدموع وتهدج صوته؛ تأثراً بما حدث له.
وفي السياق نفسه، أكد خليل، البالغ من العمر 27 سنة، والذي كان يعمل مديراً للمبيعات في شركة تقع على مقربة من ميدان التحرير بالقاهرة، أنه "في أحد الأيام في سنة 2015، اقتحمت الشرطة منزلي، واقتادتني مكبَّل اليدين ومعصوب العينين إلى مكان مجهول".
مخلفات الانقلاب
وفي الحقيقة، بعد 6 سنوات من الإطاحة بالديكتاتور حسني مبارك، تؤكد العديد من الشهادات أن مصر لا تزال تعاني مخلفات الانقلاب الذي عرفته البلاد في سنة 2013. ومنذ ذلك الحين، أصبح رجال الشرطة يزجون بالنشطاء، الإسلاميين أو اليساريين على حد السواء، في السجن حتى يذيقوهم أشد أنواع العذاب.
وفي مقهى وسط العاصمة المصرية، على بعد عدة أمتار من مقر وزارة الداخلية، قال إسلام بصوت منخفض إن "الوضع أصبح كارثياً. لقد فقد الشباب الأمل، وفي الوقت نفسه، ما زال التعذيب مستمراً في السجون المصرية".
والجدير بالذكر أن إسلام، الذي ترعرع في عائلة من الطبقة الوسطى وعاش بمنطقة دلتا النيل، قد سجن على خلفية انخراطه في الحملة التي تقودها منظمة العفو الدولية ضد انتهاك حقوق الإنسان في مصر، حيث أصبح من أبرز رموزها. وفي الأثناء، لا يزال في انتظار إسلام قضيتين للبت فيهما.
وعموماً، اتهم الناشط المصري بالانتماء إلى جماعة غير قانونية والتحريض على العنف والاعتداء على بعض عناصر الشرطة.
وخلال فترة سجنه، مرّ إسلام بسلسلة من مراكز الاعتقال والسجون ومراكز الشرطة، سلطت عليه ألواناً من الانتهاكات بصفة دورية.
وفي هذا السياق، صرح إسلام: "خلال الأيام الأولى من استقبالي بمركز الشرطة، رمي بي في زنزانة منفردة. وفي مناسبتين، جردني عناصر الشرطة من ملابسي وقاموا بتعذيبي عن طريق الصعقات الكهربائية على مستوى فمي ورأسي والعديد من المناطق الحساسة الأخرى".
وأورد إسلام: "لقد قضيت شهراً على هذا المنوال، ليقتادني رجال الشرطة فيما بعد إلى مقر أمن الدولة، حيث كبلوا حركتي عن طريق ربط يدي وساقي وتعليقي على عمود من الحديد".
رحلتي إلى الزنزانة
ومن ناحية أخرى، أكد إسلام أنه لا يستحضر كل تفاصيل رحلته إلى زنزانات ومراكز اعتقال نظام المشير السيسي. وصرح إسلام: "محطتي الموالية كانت سجن (لاظوغلي) الذي يقع وسط القاهرة والمشهور بسمعته السيئة؛ إذ إنه أحد رموز التعذيب في مصر".
وأفاد إسلام: " لقد كنا كثيري العدد في هذا السجن، الأمر الذي اضطر عناصر الشرطة إلى ترك البعض منا في الأروقة. كنا نتناول وجبة الطعام في الصباح الباكر، وكان يسمح لنا بالذهاب إلى دورة المياه لمرة واحدة في اليوم. وفي أثناء سجني، كنت أسمع دائماً أصوات وصراخ السجناء الآخرين الذين كانوا يتعرضون للتعذيب".
ووفقاً لمنظمات حقوق الإنسان المحلية، تجاوز عدد السجناء المصريين منذ الانقلاب الذي نصب السيسي رئيساً للبلاد، نحو 60 ألف سجين سياسي، أغلبهم من ضحايا القمع الذي كتم كل أصوات المعارضة.
وبعيداً عن أعين الشعب المصري، كان السجناء يُقتادون إلى مراكز التعذيب التي تطبق فيها منذ أكثر من 5 سنوات، أبشع أنواع التعذيب وأكثرها وحشية من قِبل عناصر الشرطة المحصَّنين من العقاب.
وفي هذا الإطار، صرح مدير "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، عزت غنيم، بأن "أكثر وسائل التعذيب رواجاً في السجون المصرية، هي الصدمات الكهربائية والضرب، بالإضافة إلى العديد من الممارسات الأخرى المهينة للغاية، من قبيل إطفاء السجائر في جسد السجين وتعليق السجناء في السقف، أو كسر أصابع اليدين أو القدمين أو حتى نزع الأظافر".
27 شهراً في السجن
ومن بين قصص التعذيب الأخرى، يروي لنا محمود حسين، الناشط البالغ من العمر 21 سنة، محنته، حيث قضى نحو 27 شهراً وراء القضبان؛ بسبب تهمة أقل ما يقال عنها إنها "غبية"، حيث قُبض عليه على خلفية ارتدائه قميصاً كُتب عليه شعار "وطن بلا تعذيب"، ومعه وشاح يحمل شعار الثورة التي أطاحت بحسني مبارك.
وفي هذا الصدد، قال محمود: "أصبحت حياتي في الآونة الأخيرة رهينة مراكز الشرطة والسجون والمحاكم. كثيراً ما سمعت عن التعذيب في السجون، لكنني لم أكن أعتقد أنها بهذا الحجم من الفظاعة. لقد مررت بـ3 سجون، ولكل منها طريقته الخاصة في التعذيب".
وأردف محمود: "في أحد السجون، تركونا من دون ملابس في الشتاء ولمدة 12 يوماً. وفي سجن آخر، زجوا بي مع ما يقارب 150 سجيناً في غرفة صغيرة جداً. وعلى الرغم من إعلام الشرطة أني مصاب في ساقي، فإنهم استمروا في ضربي بوحشية. وعلاوة على ذلك، تعرضت في العديد من المرات للصفع والتعذيب عن طريق الصدمات الكهربائية".
وأمام موجة الإدانات ضد انتهاك حقوق الإنسان في بلاد الفراعنة، استمرت أجهزة الشرطة في إنكار أن حالات التعذيب والظروف المأساوية التي يعيش فيها السجناء، والتي ذهب ضحيتها الآلاف منهم، هي عمليات ممنهجة ومقصودة.
ومن ناحية أخرى، أكد محمود وإسلام أن شهادتهما هي نموذج للعديد من القصص الأخرى التي عاشها الآلاف من المصريين الذين لا يقدرون أو يجرؤون على الكلام.
وفي هذا الصدد، صرح محمود قائلاً إن "الكثير من المصريين يشعرون بالخوف من الإدلاء بشهاداتهم؛ إذ إننا ندرك تماماً أن النظام الحالي قادر على فعل كل شيء".
وفي الختام، قال محمود: "بمصر، لم يعد هناك مهرب من السجن، وعلى الرغم من ذلك لا أعتقد أنني سأتخلى عن المقاومة… وحتى إن لم نظفر نحن بالحرية، فعلى الأقل ستنعم بها الأجيال القادمة. ورغم المعاناة والتعذيب، فإن الثورة قادمة. إن الشعب المصري يستحق العيش بكرامة".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة El mundo الإسبانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.