نور الثورة في قلوب التونسيين هل لا يزال حياً؟

لكن إرادة الشعوب قادرة على قهر كل الظروف، خاصة أن جميع هذه الدول لم يكن لها ثروات باطنية تعول عليها، ثروتها الوحيدة تلخَّصت في وعي شعوبها، وهذا هو الأهم؛ لذا فمسار ثورتنا لا بد له أن يكتمل، كيف لا وقد ولد فينا مَن قال: "إذا الشعب يوماً أراد الحياة ** فلا بد أن يستجيب القدر"؟!

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/18 الساعة 03:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/18 الساعة 03:01 بتوقيت غرينتش

ستّ سنوات مرَّت على ثورة الكرامة في تونس، في مثل هذا اليوم توجَّه الرئيس المخلوع إلى الشعب مقدماً وعوداً بمزيد من الحريات، عن طريق فتح المواقع المحجوبة منذ خمس سنوات، إضافة إلى التخفيض في أسعار بعض المنتجات الغذائية، كما أعلن عزمه عدمَ الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2014، مستعيناً بخطاب على الطريقة البورقيبية حضرت فيه الكلمات، وغابت فيه شخصية القائد، لكن وعي الشعب التونسي الذي عمل زين العابدين بن علي على ضربه وتغييبه بكل ما أتيحت له من وسائل طيلة فترة حكمه، كان أعمق من أن يصدق تلك الوعود البالية ومنتهية الصلاحية كقائلها، اقتناعاً بضرورة التغيير، ووضع حد لامتداد نظام فاسد، جائر، مكمم للأفواه، وسارق لخيرات البلاد وجهود العباد.

توسَّعت الاحتجاجات وزادت شدّتها حتى وصلت إلى المباني الحكومية، مما أجبر الرئيس المخلوع على التنحي عن السلطة ومغادرة البلاد بشكل مفاجئ بحماية أمنية ليبية إلى السعودية يوم الجمعة 14 يناير/كانون الثاني 2011، بعد أن رفضت مؤسسة الجيش تصفية شعبها.

هذا التاريخ مثّل بداية النهاية لعديد من الأنظمة المستبدة في العالم العربي وموعد انقلاب شامل، كان مفاجئاً في توقيته، وعميقاً في تأثيراته.

كل ثورة لها ضريبتها، وهذا قانون اللعبة منذ الأزل، فأعرق الثورات وأكثرها تأثيراً على حياة البشرية، لولا تضحيات شعوبها لا ما ذكرها التاريخ أصلاً، للأسف الكثير اليوم في تونس يتذمر من الوضع الاقتصادي البائس، ظناً منه أن الثورة سوف تعطي أكلها بعد خمس أو ست سنوات دون مقابل، والبعض الآخر يطلب الزيادة في الأجور رغم أنهم محسوبون وللأسف على الفئة المثقفة، أما الشق الأكبر المتمثلون في العاطلين عن العمل، خاصة من أصحاب الشهادات العليا، يطالبون بالتشغيل الفوري غير مكترثين بحساسية هذه الفترة كونها مرحلة بناء، وكأن نور الثورة أوشك على الانطفاء في قلوب البعض، والساسة فحدِّث ولا حرج، مللنا نمطية خطاباتهم وخلافاتهم من أجل الخلاف، وادعاءهم حب البلاد كما لا يحبها أحد، أما الإعلام اليوم فلم يعد ممثلاً لصوت الشعب، وإنما بات خادماً لأجندات سياسية لحساب أطراف معينة – وإن كان بدرجات متفاوتة- فهذا يسعى لتبييض الفاسدين، وذاك يصطاد في الماء العكر لتوجيه الرأي العام لحساب جهة ما على أخرى.

على أي حال فهذا الجانب الذي طغت فيه ظلمات الأنانية والانتهازية واللاوطنية على نور الثورة في قلوب البعض لا يحجب الشق المنير من الكفاءات وأبناء الشعب الذين يحرسون شمعة الثورة في قلوبهم، يخافون عليها كخوفهم على ذويهم، يحترقون هم من أجل أن لا تنطفئ، هؤلاء يعملون في صمت، وغاياتهم أبعد مما تكون عن حب الظهور وتقلد المناصب؛ لأن حب البلاد لديهم أعمق من ذلك، هذه الفئة تتمثل في كل موظف أتقن عمله من أجل البلاد، كل طالب علم اجتهد في دراسته حباً للبلاد وإيمانا منه بأنه سيكون جزءاً من الحل من موقعه هذا، كل امرأة أحسنت تربية أطفالها على قيم تنهض بالبلاد مستقبلاً.. باختصار كل تونسي آمن بقدرته على التغيير من موقعه، وبدأ بنفسه دون التأثر بمن حوله.

بلادنا اليوم -يا سادة- هي في حاجة إلى تضافر جهودنا أكثر من أي وقت مضى، وهي في حاجة أمَس إلى القطع مع الإضرابات المجانية والمطالب اللامنطقية؛ لأن الثورة إذا ما أتممناها ستنسى كأنها لم تكن، وسقف الحريات الذي يمثل أهم مكسب لدينا لا يجب أن ينخفض قدر أنملة تحت أي ظرف كان.

كما يجب علينا الاقتناع والتسليم بأننا جيل كتب عليه التضحية من الأجل الأجيال القادمة؛ لأن قيمة الإنسان لا تكمن دائماً فيما يأخذ؛ بل إن قيمته الأسمى تتجسد فيما يعطي وفيما يخلد للبشرية، ولنا في هذا العديد من الأمثلة كالجيل الذي نهض باليابان بعد واقعة هيروشيما والأجيال التي نهضت بكوريا الشمالية وسنغافورا وماليزيا وغيرها من الأمم التي لم يكن حالها ببعيد عن حالنا، ومنها -كسنغافورا- من كان وضعها أتعس بكل المقاييس.

لكن إرادة الشعوب قادرة على قهر كل الظروف، خاصة أن جميع هذه الدول لم يكن لها ثروات باطنية تعول عليها، ثروتها الوحيدة تلخَّصت في وعي شعوبها، وهذا هو الأهم؛ لذا فمسار ثورتنا لا بد له أن يكتمل، كيف لا وقد ولد فينا مَن قال: "إذا الشعب يوماً أراد الحياة ** فلا بد أن يستجيب القدر"؟!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد