شعب الشتات..وطن بلا شعب

عذراً أهلنا في القدس.. فقد شاركناكم في المسمى وإن اختلف العدو، ولربما كان عدونا أخطر من الصهاينة، أذكر قصة حدثت معي قبل سنوات يومها سألني شخص أأنت سوري؟ كان الجواب سريعاً، حينها أدركت أن اللسان ينطق بما يحب القلب دون أن يدري العقل، لكن جواب ذلك الرجل كان صادماً "أنا أكره السوريين".

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/13 الساعة 04:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/13 الساعة 04:06 بتوقيت غرينتش

ما زلتُ أذكر بيت الشاعر الكبير أحمد شوقي، ذلك البيت استوقفني اليوم كثيراً على الرغم من أنه كثيراً ما كان يتوارد في كتبنا الدراسية، فإنه الآن أصبح له معنى آخر ونكهة مختلفة، أحمد شوقي الذي خصَّ دمشق بتلك القصيدة لربما كان يشعر بمصير دمشق قبل أكثر من 86 عاماً.

وللحرية الحمراء باب ** بكل يد مضرجة يدق

بغض النظر عن الوقت الذي قِيلت فيه تلك الأبيات والكلمات، إلا أنها اليوم تحاكي حاضرنا، لم تكن مطالبنا في بداية الأمر إلا قليلاً من الحرية والكرامة، لكن ثمن هذا القليل كان أن يشرد الملايين ويقتل ويذبح مئات الآلاف، ويعتقل ويغيّب الآلاف.

نعم كان الثمن أكبر مما تخيله أحمد شوقي، وأكبر بكثير مما دفعه أجدادنا للخلاص من المستعمر الفرنسي، لكن لمن دفع.. لـ"شركائنا" في الوطن.. أي وطن، لا تعجب هو الذي هجرناه، وهو الذي ضاق بنا وجعل منا "شعب الشتات".

عذراً أهلنا في القدس.. فقد شاركناكم في المسمى وإن اختلف العدو، ولربما كان عدونا أخطر من الصهاينة، أذكر قصة حدثت معي قبل سنوات يومها سألني شخص أأنت سوري؟ كان الجواب سريعاً، حينها أدركت أن اللسان ينطق بما يحب القلب دون أن يدري العقل، لكن جواب ذلك الرجل كان صادماً "أنا أكره السوريين".

قلت: ولماذا؟ كان جوابه بسؤال "هل تحب المرأة ضرتها".
جوابه حينها أدخلني في عالم آخر حتى نسيت إذا كان مازحاً أو جاداً فهو لم يبتسم منذ أن دخلت المحل وحتى خرجت منه، لكن هل يعقل أن أصبحنا بلا وطن، وهل يعقل أن يصبح أكبر أحلامنا "حق العودة" وهل سأكتب يوماً كما كتب غسان كنفاني "حق لا يموت" تلك التي قرأتها أكثر من مرة لكثرة ما أحببتها ونادراً ما كنت أقرأ شيئاً بذلك التكرار.

شكراً غسان قد علمتني وأنا في طفولتي الكثير، والآن تذكرت "ليس المهم أن يموت الإنسان قبل أن يحقق فكرته النبيلة، بل المهم أن يجد لنفسه فكرة نبيلة قبل أن يموت" كانت فكرتي هي "ثورتي وثورة شعبي" وطوال السنوات الماضية لم يكن المهم إذا حضرت انتصارها أو كنت في عداد شهدائها، المهم أنه كان لديَّ فكرة نبيلة.

كيف لا وأنا الذي من صغري تربيت على حب القدس وأهلها، وأنا الذي قرأت لغسان كنفاني وشاهدت "التغريبة الفلسطينية" عدة مرات، وتأثرت بمشاهدها وتألمت لذلك مع أنني كنت أدرك أن الواقع أكبر وأمر من ذلك، وأيقنت بذلك بعد أن كنت شاهداً وواحداً من أولئك الذين نزحوا عشرات المرات بين دمشق وبلدات ريف درعا، قبل أن ينتهي بي المطاف في دول اللجوء هرباً من آلة القتل الأسدية تاركاً ورائي كل شيء، وكم هو مؤلم أن تقول "كل شيء"؛ لأنك لا تستطيع إحصاءه.
وبكل أسف كان أول ما وقعت عيناي عليه فجر ذلك اليوم، خيام اللاجئين وحال شعب أيما حال!! أصبح أكبر أحلام أولئك "كرفانة" من الصفيح بدل خيم من القماش، كتب عليها حرفان بالأزرق أصبحا بالنسبة لي نذير شؤم ويأس.

كره أولئك للخيام لم يكن للحروف المرسومة عليها، بل لأنها لئيمة لا تشفع لمن بداخلها من برد الليل ولا حرارة النهار.. لا تصمد بوجه الريح والغبار، وتسقط على رأس ساكنيها كما تسقط المدن والبلدات.. وتباع كما يباع الشعوب في سبيل الكراسي والمناصب.

حينها كنت أرى أننا أصبحنا "شعب الشتات" وأصبح الوطن بلا شعب، أصبحنا في شتى بقاع العالم، وصرنا حديث الساعة ومشكلة العصر، وورقة ضغط تهدد دول بها أخرى، ومختبرَ تجريبٍ للأسلحة وفنون القتل.

حتى العائلات والأسر تفرقت وتشتت بين الدول والقارات وأصبح "لمّ الشمل" غاية ومنية يصعب مرادها، أيعقل أن يكون الزوج في وطن والزوجة في آخر؟ أيعقل أن تنتهي قصص عشق استمرت لسنوات بعد أن أجبروا أن يكون كل واحد منهم في وطن؟!
أصبحنا نخشى من الماضي حتى لا نعكر الحاضر المكلوم، وأيهما أكثر وجعاً لا ندري، سلام يا وطني..سلام يا شعبي.. وسلام يا شعوب العالم.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد