قد يكون عام 2016 هو عام المتغيرات للقضية السورية؛ حيث شهد أحداثاً لم تشهدها الساحة السورية منذ اندلاع ثورتها في مارس/آذار عام 2011، فكان أبرز متغيراتها رحيل الرئيس الأميركي باراك أوباما وخطوطه الحمراء، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وقلقه المتوالي، وشاءت الأقدار أن يتزامن رحيلهما في ذات الشهر؛ حيث القاسم المشترك بين الرجلين هو أنهما سيطويان برحيلهما صفحة أضعف رجلين شغلا هذين المنصبين منذ تأسيسهما.
وكما يقول المثل السوري: "غاب القط فالعب أيها الفأر"، فقد شهد ضعفهما بروز "الفأر" الروسي، الذي استأسد على حساب دماء السوريين.
وعلينا -سواء اختلفنا مع روسيا أم اتفقنا- أن لا ننكر صعود نجمها ولو كان على حساب تلك الدماء، وكما أجبرت العديد من السوريين على تسوية أوضاعهم في حميميم والعودة إلى "حضن الوطن"، فقد سوّت هي وضعها أيضاً في ذات الوقت، وعادت كلاعب دولي قوي في الساحة الدولية تتحكم بعدد من القضايا، فدقّ أبوابها العديد من الزعماء العرب الذين كانوا يتملقونها، بينما كانت طائراتها تدمّر مدينة حلب.
وعلى الرغم من أن ذلك لم يكن نتيجة لقوة روسيا؛ بل نتيجة لضعف أميركا التي أوصلها أوباما إلى دور ثانٍ وربما ثالث على الأقل حتى اليوم؛ إذ لا نعرف ما يخبئه الرئيس الجديد ترامب، وهو الذي حمل شعار "إعادة أميركا لمجدها وقوتها"، وهو الشعار الذي يحمل في طياته اعترافاً بتراجع الدور الأميركي وضعفه.
فلو ركّزنا فقط في الشهور الأخيرة لعام 2016 التي شهدت الانتخابات الأميركية لوجدنا أن روسيا قد استغلت هذه الشهور أحسن استغلال، فقد جلست تتصرف كحاكم العالم الوحيد، فضربت قوافل بان كي مون الإغاثية، وحاصرت حلب وهجَّرت أهلها على مرأى من العالم، وما كان لأميركا دور أكثر من تنديد، وما كان لـ"بان كي مون" دور أكثر من القلق، وما كان من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا الخارجة من هذا الاتحاد إلا تسجيل الخروقات، وتسميتها بمجازر مرة، وبجريمة حرب مرة أخرى.
كل ذلك لم يكن ليثني روسيا عن استغلال تلك الشهور الأخيرة، التي كانت من أكثر شهور الولايات المتحدة الأميركية ضعفاً في العقود الخمسة الأخيرة.
وها هي اليوم قد أصبحت تتصرف كحاكم فعلي لسوريا، فتنزل شرطتها في حلب لحفظ الأمن، وتجبر الأسد على الجلوس إلى طاولة مفاوضات أمام من كانوا إلى وقت قريب يسميهم بالإرهابيين، وتوسع قواعدها العسكرية في طرطوس واللاذقية، وتفتح باب التطوع بعقود أمام الروس للقدوم إلى سوريا كعسكريين متعاقدين لمدة سنتين أو ثلاث.
ولم تكتفِ بهذا فحسب؛ بل افتتحت باباً لتلقّي الشكاوى من المواطنين السوريين على أرقامها في حميميم وحتى على موقع الفيسبوك عبر صفحتها التي سمَّتها "القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية"، والتي بدأت تنشر من خلالها رسائل المواطنين السوريين، وحسب ما أفادت به الصفحة، فإنها تتلقى يومياً مئات الرسائل من شكاوى المواطنين، وهذه الشكاوى كما نشرتها هي شكاوى من الميليشيات العسكرية التابعة للنظام وحلفائه الإيرانيين، الذين يقومون بتعفيش المنازل، أي سرقتها، وأعمال النهب والتشليح على الحواجز، حتى باتت تلك الشكاوى تصل إلى مشاكل المواطن في الحياة اليومية، مثل انقطاع الماء والكهرباء، فقد نشرت على صفحتها تقول:
"وصلنا منذ ثلاثة أيام إلى الآن ما يزيد عن أربعة آلاف رسالة من العاصمة دمشق تتحدث عن أزمة مياه تعاني منها أحياء المدينة، نحن لسنا معنيين بهذا الأمر، فهو من مهام الوزارة المسؤولة عن المياه في الحكومة السورية الشرعية، ولكن فيما يتعلق بتطورات الجانب العسكري في المنطقة المسؤولة عن تزويد المياه للعاصمة فقد وردت تقارير تفيد بانفجار حصل في مركز المياه جراء قذيفة صاروخية أخرجتها عن الخدمة، مما أدى لتوقف تدفق المياه مع امتناع المجموعات المتشددة عن إصلاحها، فيما تتضح معالم المسار الميداني للمعركة بأن تحركات القوى البرية الصديقة لم تجرِ كما كان مخططاً لها، لذلك يتم الآن دراسة احتمالية وقف إطلاق النار كهدنة مؤقتة مقابل إعادة ضخ المياه وإصلاحها أو قد تطول حالة الانقطاع التي تعاني منها تلك الأحياء المكتظة بالسكان في حال استمرارية المعارك.
إيفانوف.. ترجمة وعد".
ونشرت الصفحة أيضاً صوراً لشكاوى المواطنين توثق سرقة المنازل في حلب، ووعدت بمحاسبة السارقين من تلك الميليشيات، ونشرت أيضاً رسائل شكر من المواطنين لهذا المعروف؛ حيث يقول أحد مرسليها: "إذا كنتم تسمون من يحمي الأطفال والنساء بالاحتلال فأهلاً ومرحباً بهم"، ما يعني أن المواطن السوري المؤيد للنظام بات اليوم لا يثق بغير الروسي، ويعتبره السلطة الأقوى بعد أن أثبت الأسد عدم قدرته على حماية المنازل من السرقة، وقد نشر أحد أعضاء مجلس الشعب السوري "أنس الشامي" على صفحته منشوراً يعترف به بما سمَّاه "عجز الحكومة السورية عن مكافحة ظاهرة التعفيش وسرقة المنازل"، ما اضطر المواطنين إلى الاستجداء بالروسي الذي وعد بمكافحة هذه الظاهرة، وإعادة الأمن إلى المدينة.
وعلى الرغم من أن صفحتهم على موقع فيسبوك ليست رسمية من وزارة الدفاع الروسية، فإنها تدار من قِبل عسكريين ومترجمين يعملون في قاعدة حميميم، وقد نشر فريق الآدمنز فيديو على الصفحة يظهر أن هذه الصفحة تدار من قاعدة حميميم في اللاذقية، كما أنه لم يتم نفيها من قِبل الروس ولا من قِبل النظام السوري الذي يمتلك الكثير من الصفحات الرسمية وشبه الرسمية، ما ينبئ أن ما يبيته الروس في سوريا ليس مجرد دعم للنظام أو مكافحة للإرهاب أو إنهاء للحرب، كما يدّعون، بل هو انتداب جديد لسوريا، بدأ يأخذ شكله الواضح في أواخر عام 2016، وذلك بتأييد شعبي من المؤيدين والرماديين الذين يئسوا من النظام والمعارضة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.