وقّع عبد الفتاح السيسي منذ مجيئه إلى السلطة بانقلاب عسكري دموي في الثالث من يوليو/تموز عام 2013، على عدد من الاتفاقيات التي وصفها كثير من المحللين والمراقبين بالكارثية؛ لأنها تهدد وجود الدولة المصرية وتماسكها وتضرب صميم الأمن القومي المصري، بحسب وصفهم، وأبرز هذه الاتفاقيات:
اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان (الكالاماتا)
في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 جمعت قمة الكالاماتا الثلاثية قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء اليونان آنذاك "أنتونيس ساماراس" والرئيس القبرصي "نيكوس أناستاسيادس"، ودارت مجريات القمة بشكل رئيسي حول ترسيم الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط؛ حيث نص إعلان القاهرة على (مسكونية قانون البحار) بمعنى انطباقه على كل الحالات، وهو الاتفاق الذي يعطي اليونان حقاً في شريط مائي يمتد بين مصر وتركيا ويقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر، الأمر الذي وصفه مراقبون بأنه تنازل عن الحقوق البحرية المصرية في شرق المتوسط لأهداف غير معلومة، وعلى حد وصف بعض الصحف اليونانية فإن هذا الاتفاق سيجعل المياه الإقليمية اليونانية تمتد بين مصر وتركيا بشريط تبلغ مساحته ضعف مساحة دلتا مصر، وهي منطقة غنية بحقول الغاز الطبيعي في شرق المتوسط وتعد أحد مناجم الثروة الواعدة، ويرى العديد من المحللين أن إسرائيل ربما تكون أحد أكبر المستفيدين من هذا الاتفاق، ويستدلون على ذلك بما قاله الكاتب الصهيوني "دانييل بايبس" الذي لفت النظر إلى أهمية دخول "جزيرة كاستلوريزو" في خط الأساس اليوناني لتسهيل مرور أنبوب الغاز الإسرائيلي في مياه قبرصية ويونانية، بدلاً من مروره في مياه مصرية، وهو ذات الطلب الذي أكدت عليه "إليانا روس ليتنن" رئيس لجنة الشرق الأوسط بالكونغرس الأميركي بخريف عام 2013 بعد الانقلاب العسكري مباشرة، وفي ذات السياق صرح السفير إبراهيم يسري، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، بأن المستفيد الأكبر من توقيع مصر على هذه الاتفاقية هو الكيان الصهيوني، وأنه لا يرى سبباً واحداً يجبر مصر على التوقيع، فهو تنازل عن أرض مصرية خالصة لمصلحة الكيان الصهيوني.
وثيقة الاتفاق المبدئي حول آلية تشغيل سد النهضة (اتفاقية سد النهضة)
في مارس/آذار 2015 وقع السيسي على وثيقة سد النهضة مع إثيوبيا والسودان في العاصمة السودانية الخرطوم، وهذه الاتفاقية بحسب خبراء ومراقبين لا تضمن إقرار إثيوبيا بحصة مصر من مياه النيل التي تبلغ 55,5 مليار متر مكعب سنوياً، وفقا لاتفاقية عام 1959، وبحسب قول مصطفى خضري، رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي، فإن أديس أبابا انتزعت اعتراف القاهرة بحقها في بناء سد النهضة دون أن تحصل القاهرة على أي ضمانات للحفاظ على حقوقها المائية، في ذات السياق كشف المهندس "حيدر يوسف"، وكيل أول وزارة الموارد المائية والكهرباء السوداني السابق، النقاب عن الدور الإسرائيلي الخفي في أزمة سد النهضة الإثيوبي، مؤكداً أن تل أبيب وراء فكرة إنشاء السد للتحكم في مصر وشعبها، محذراً من أن توربينات السد العالي ستتوقف عن العمل حال الاستمرار في بناء سد النهضة بمواصفاته الحالية، وأن النيل سوف يتحول إلى (ترعة) بحسب وصفه، من جهته قال (يفجيني كلاوبر)، المحاضر بقسم العلوم السياسية بجامعة تل أبيب، إن سد النهضة يلقي بمصر في أحضان إسرائيل؛ لأنها هي اللاعب الأساسي الآن في منطقة حوض النيل.
اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية (تيران وصنافير)
في أبريل/نيسان 2016 وقع السيسي اتفاقية التنازل عن "تيران وصنافير" مع السعودية، التي تنازل بموجبها عن التراب المصري المتمثل في جزيرتي تيران وصنافير المصريتين للسعودية، وهي الاتفاقية التي قضت محكمة القضاء الإداري ببطلانها في يونيو/حزيران 2016، ورفضت ذات المحكمة بعد ذلك طلب الحكومة بوقف تنفيذ حكم البطلان بعد أن تقدم كل من (عبد الفتاح السيسي، رأس السلطة العسكرية، وصدقي صبحي وزير الدفاع، وشريف إسماعيل رئيس الوزراء، وسامح شكري وزير الخارجية، ومجدي عبد الغفار وزير الداخلية) مجتمعين بطعن على حكم البطلان، هذا وأظهرت تسريبات بثتها قناة مكملين الفضائية قيام قيادة الجيش بعقد ندوات لضباط وجنود القوات المسلحة لإقناعهم بسعودية الجزيرتين، وهو ما يؤكد أن التنازل جاء بموافقة قيادة المجلس العسكري، وبحسب صحيفة هآرتس الصهيونية، فإن الاتفاق بشأن الجزيرتين يُعد جيداً لمصلحة إسرائيل، في ذات السياق قال الكاتب الصحفي المقرب من الانقلاب العسكري (مكرم محمد أحمد) في أحد الحوارات على قناة صدى البلد: "إن هناك طرفاً ثالثاً سيتسلم المهام الأمنية الموكلة لمصر وهو إسرائيل"، في اعتراف واضح وصريح بأن إسرائيل هي من تسيطر على الجزيرتين بدلاً عن مصر، مما يهدد نفوذ مصر وأمنها القومي في البحر الأحمر وباب المندب، هذا وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية أن وزير الدفاع الصهيوني السابق موشي يعالون أقر بأن إسرائيل صادقت على القرار المصري بالإقرار بسعودية الجزيرتين الواقعتين على مضيق تيران الاستراتيجي، وبموجب هذا التغيير ستتم إعادة ترسيم الحدود لتصبح الجزيرتان جزءاً من المياه السعودية.
اتفاقية قرض صندوق النقد الدولي
في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 وافق صندوق النقد الدولي على إقراض مصر مبلغ 12 مليار دولار على ثلاث سنوات، ولكن مقابل شروط على النظام العسكري في مصر أن يلتزم بها، على رأسها خصخصة القطاع العام بما يعني بيع ممتلكات الدولة المصرية، وهو ما أكده أشرف الشرقاوي، وزير قطاع الأعمال العام؛ حيث قال إن هناك 115 شركة تتبع القطاع العام ستتم خصخصتها، وتابع أن هذه الشركات لديها أصول غير مستغلة وهي ليست أراضي فقط بل تشمل مباني ومصانع وخطوطاً معطلة، ولأول مرة يجري الحديث في مصر عن خصخصة المرافق العامة مثل المياه والكهرباء والغاز، ولكن المشكلة الحقيقية أن إسرائيل ليست بعيدة عن هذا الأمر، فإن كان الذي يشتري هذه الممتلكات شركات واجهاتها عربية (إماراتية أو غيرها) ولكن بحسب خبراء ومحللين فإن وراء هذه الواجهات شركات صهيونية كبيرة تقوم بشراء ممتلكات الدولة المصرية.
يبدو من هذا السرد أن العلاقة بين إسرائيل والسيسي هي علاقة تفوق الوصف وتفوق أي تخيل، وانظروا إلى ما قاله الحاخام الصهيوني (نير بن آرتسي) إن السبب وراء تراجع مصر عن موقفها بمجلس الأمن وسحب مشروع قرار يدين الاستيطان هو إشارات تلقاها السيسي من السماء؛ حيث أوصى الرب السيسي بعدم تحدي إسرائيل في مجلس الأمن، إن ما عجز الكيان الصهيوني عن تحقيقه منذ تأسيسه يبدو أنه على وشك الوصول إليه في ظل وجود البطل القومي لإسرائيل عبد الفتاح السيسي ونظامه العسكري.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.