دعا أخيراً الدبلوماسي الأميركي بيتر غالبريث، السفير الأميركي السابق في كرواتيا والمعروف بمناصرته للقضايا الكردية، في مقال له في جريدة النيويورك تايمز الأميركية، إلى إنشاء منطقة كردية آمنة في شمال شرق سوريا، تحظى بحماية أميركية شبيهة بتلك التي تأسست في العراق بعيد حرب الخليج الأولى، وقال الكاتب إن على الولايات المتحدة تقديم ضمانات بعيدة المدى لكرد سوريا.
تظهر تطورات الأحداث الجيوسياسية في المنطقة أن كرد سوريا هم فعلاً ضمن حسابات كل من الولايات المتحدة وروسيا في رسمهما لملامح سوريا وحتى المنطقة مستقبلاً، لكن التطورات السياسية والعسكرية السريعة التي تحدث في سوريا والإقليم تقابلها حالة جمود وركود سياسي تعيشه الحركة الكردية السياسية في سوريا.
بدأ الخلاف يخرج إلى وراء الحدود وأصبح الحديث عن انقسام كردي أمراً واقعاً لا يمكن إخفاؤه؛ حيث لم يتم الالتزام بمبادرات التوافق والتصالح الكردية التي أشرف عليها الرئيس مسعود بارزاني وضاعت أكبر الفرص. يتبادل الطرفان الرئيسيان الممثلان بالمجلس الوطني الكردي والإدارة الذاتية الاتهام في مجال التقصير وعدم النهوض بتحديات المرحلة، ظهرت اتهامات متبادلة من الطرفين أن أحدهما يريد أن يبقى على حساب الآخر، كل حسب تبعيته وحلفائه الداعمين له، وكأن النضال لأربعة عقود في ظل حكم عائلة الأسد مع المعاناة والاضطهاد السياسي التي تجرعها كرد سوريا لم تكن كافية لشحن أي مبادرات لممارسة العمل السياسي والتفاوض كفريق عمل واحد، فلم يتم الوصول إلى تحقيق أهداف استراتيجية وحتى القومية منها على الأقل حتى الآن؛ لتسود حالة من الخلافات والتشرذم.
شرخ وانقسام في الداخل
يلقي السياسي الكردي البارز والقيادي في حزب يكتي حسن صالح باللوم على حزب الاتحاد الديمقراطي فيقول في تصريح خاص: "ناضلت الحركة السياسية الكردية في كردستان سوريا نحو نصف قرن، وعلى الرغم من الصراع بين اليمين واليسار، فإن الجميع التزموا بالتواصل وحتى العمل المشترك أحياناً، ولم يصدف حصول أي استخدام للعنف، وتم التقيد بالتعامل السلمي الحضاري، وما أن ظهر "ب ك ك" ثم "ب ي د" حتى بدأ الأسلوب الاستبدادي الإلغائي بالترافق مع العنف ومحاولة الهيمنة وإنهاء الأطراف المعارضة لمواقفهم والمنددة بممارساتهم المضرة جداً بالمصلحة القومية العليا للشعب الكردي".
ويضيف قائلاً: "المعضلة الكبرى أن الآبوجيه تخلوا عن المشروع القومي الكردي ويتهمون من ينادي به بالتخلف والخيانة ويعملون على تصفيته سياسياً وجسدياً ويتعاملون معه معاملة العدو. ورغم حصول عدة اتفاقيات بينهم وبين المجلس الوطني الكردي فإنهم تنكروا لها منذ اللحظة الأولى؛ لأنهم شموليون من ناحية، وينفذون أوامر الذين يساندونهم، وهذا يضعف العامل الذاتي لدى الكرد، ويعمق الشرخ ويحول دون العمل المشترك".
وأبدى استعداد المجلس الوطني الكردي للعمل مجدداً مع حزب الاتحاد الديمقراطي "إذا عادوا إلى المشروع القومي الكردي قولاً وعملاً وألغوا تجاوزاتهم وانتهاكاتهم الفظة، فإن أجواء الثقة والتفاهم ستحصل وتؤدي إلى العمل المشترك".
وطالب الحزب بأن "يظهر حسن النية وخلق أجواء الثقة وذلك بإلغاء التجنيد والكف عن الملاحقة والاعتقال التعسفي والخطف والسلب وقبول دخول البيشمركة والحل القومي للقضية الكردية"، قبل أي لقاء مشترك بوجود "ضمانات دولية وكردستانية".
أما الصحفي والكاتب برزان شيخموس فقد اتهم أيضاً حزب الاتحاد الديمقراطي بأنه "مسلوب الإرادة كونه يرتبط باتفاقات أمنية مع أنظمة المنطقة، وخصوصاً سوريا وإيران؛ لذا لا يستطيع تطبيق الاتفاقات التي وقعها في كردستان عندما يعود ممثلوه إلى سوريا".
وقال شيخموس الذي خرج أخيراً من السجن بعد اعتقاله لقرابة الثلاثة أشهر من قبل أسايش حزب الاتحاد الديمقراطي: "خير مثال على ذلك اللقاء الذي جمع صالح مسلم مع الرئيس بارزاني بحضور ممثل عن أميركا إذ صرح أكثر من طرف ضمن الـ"ي ب ك" بأن صالح مسلم ليست له علاقة بالأمور العسكرية في دليل على تنافض واضح بعدم الالتزام بما أقره مسلم في هولير".
وتحدث نواف خليل، مدير المركز الكردي للدراسات والمتحدث السابق باسم حزب الاتحاد الديمقراطي في أوروبا: "إن المسألة ليست مسألة خلافات فهناك طرف متمثل بالمجلس الوطني الكردي لا يزال على حاله، رغم أن العالم بأسره والدول العظمى حتى تركيا التي هددت بالتدخل جميعها تراجع سياستها فيما يتعلق بسوريا".
وأبدى السيد خليل استغرابه من مواقف المجلس الوطني الكردي: "هناك تعاطٍ مباشر دولي مع الإدارة وقوات سوريا الديمقراطية، فكبريات الصحف العالمية تتحدث عن هذه التجربة وما يتحقق على الأرض في روج أفا هي مسألة فخر لجميع الشعب الكردي"، وتساءل: "ما الذي يكتسبه المجلس الوطني الكردي من التشهير بالإدارة الذاتية.. كيف لي أن أصدق من يعمل تحت مظلة الائتلاف والذي يواظب على اتهام الإدارة الذاتية بأنها انفصالية"، وأضاف: "المجلس يقبل بتدريس منهاج حزب البعث ويرفض منهاج اللغة الكردية الذي تبنته الإدارة الذاتية "، وتابع كلامه قائلاً: "كما هو واضح ليس للمجلس الوطني الكردي سياسة ومشروع في ما يتعلق بسوريا أو حتى روج أفا غير التصريحات".
يعترف خليل بوجود سلبيات في الإدارة الذاتية "لا يعني أن الإدارة الذاتية بدون أخطاء ونواقص، لكن يحسب لها أنها تحاول بعدما نجحت في إبعاد روح أفا عن جحيم الحرب السورية المستعرة بلا حدود وقيود".
أما عن دور مستقبلي للمجلس الوطني الكردي فينهي حديثه: "أعتقد أن على المجلس الوطني الكردي إذا أراد أن يلعب دوراً أن يقوم بمراجعة شاملة وصريحة لسياساته كافة"
ما هو التالي لكرد سوريا؟
يعترف الكثير من الخبراء السياسيين الغربيين المتابعين للوضع السياسي لكرد سوريا بصعوبة إجراء تسوية وتوافق ضمن فصائل الحركة الكردية حالياً، وأن الخلاف لا يمكن حله يأيادٍ خارجية.
مايكل ستيفينز، الباحث في دراسات الشرق الأوسط في المعهد الملكي للخدمات المتحدة الذي أجرى أخيراً بحثاً عن المناطق الكردية في سوريا، يقول: "أعتقد من الصعب حالياً رؤية أي مجال لإجراء تسوية".
"لقد حاولت الولايات المتحدة لمرات كثيرة سد الفجوة لكنها لم تنجح، لا أعتقد أن الضغط الخارجي سينجح في حل القضية في الوقت الراهن".
وبين الباحث سبب الخلاف "ينظر حزب الاتحاد الديمقراطي إلى المجلس الوطني الكردي كأداة بيد تركيا لإضعاف مشروع روج أفا وبسبب الوضع الحالي للتوترات مع تركيا فإنهم مترددون بالتسوية".
في الطريق حتى يكسب ساسة كرد سوريا ثقة رجل البيت الأبيض الجديد، يقول الدكتور جونثان سبير، خبير شؤون الشرق الأوسط والكاتب في جريدة جروزاليم بوسط الإسرائيلية: "على كرد سوريا أن يقوموا بكل شيء للحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة، عليهم أن يظهروا للرئيس ترامب أنهم عامل استقرار في سوريا المقسمة في المدى البعيد حتى بعد انتهاء حرب داعش".
أما المحلل السياسي جولين ثيرون والمحاضر في جامعة باريس 2 فيعتقد أن "الإدارة الذاتية في روج أفا مقبولة إلى درجة ما للأوروبيين على الأقل في هذه اللحظة، في ما يتعلق بمستقبل البلاد لا يمكن التكهن لأن ذلك يعتمد على تطورات مستقبلية، لكن من المهم اتباع منهج حر، عادل وديمقراطي للحصول على الدعم الأوروبي".
بالنسبة لدور الكرد يعتقد الباحث الفرنسي "من الضروري كمحصلة للحرب أن يكون هناك توازن عادل للسلطة بالاعتماد على الشرعية المحلية وأي نظام غير متوازن سيتسبب بالفوضى أو ستكون حافزاً للانفصال".
تعد مرحلة ما بعد حرب داعش وانتهاء دور البندقية مهمة لدور الكرد في سوريا، فالتفاوض مستقبلاً في كتابة الدستور يتطلب من ساسة كرد سوريا أن يكونوا لاعبين بارعين، وأن يقرأوا مجريات الأحداث بطريقة أدق؛ لأن المعركة لن تكون سهلة في ظل اجتماع النظام والمعارضة على نقطة رفض المطالب القومية للكرد، التي تشكل الفيدرالية أحد أهم أركانها.
يصعب عموماً التكهن بمسار الأحداث في سوريا عموماً والساحة الكردية أيضاً، إلا أن الأمل ما زال قائماً في حدوث توافق وتحقيق تصالح في قادم الأشهر قد تكون أهم عوامله أن الكرد في سوريا كشعب ملَّ من ترديد الشعارات ويرفض وقوع أحداث دموية بسبب الخلافات، كما أن الطبقة المثقفة الشابة في الداخل والخارج تساند التوجهات السلمية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.