كل ما يجب أن تعرفه عن “مستقبل الإسلام خارج أرضه”.. من سان فرانسيسكو

ليس للإسلام مستقبل خارج أرضه، ما دام مستقبله، ناهيك عن حاضره، مستباحاً في دياره، ومهدداً ضائعاً في حياض نشأته الأولى، وعواصمه ومدائنه المركزية".

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/30 الساعة 07:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/30 الساعة 07:32 بتوقيت غرينتش

بالنسبة لمن هم في عجلة من أمرهم، فهذه هي نسخة المقال بالجرعة التويترية: "ليس للإسلام مستقبل خارج أرضه، ما دام مستقبله، ناهيك عن حاضره، مستباحاً في دياره، ومهدداً ضائعاً في حياض نشأته الأولى، وعواصمه ومدائنه المركزية".

أما مَن عندهم وقت للقراءة -أو ليس لوقتهم قيمة بحيث يطيب لهم إضاعته على ما خطَّه العبد الفقير- فأُحيلهم ابتداء إلى يوم نزل "أردوغان" بظاهر الخليج عندنا… يومها، تهامس وجوه القوم فيما بينهم بأكثر ما يكون الهمس افتضاحا؛ أن الرجل يمر بإقليمنا في إطار زيارته للبلاد، وأن فئة محدودة من الخاصة -في المجتمع المسلم- ستدعى لحضور كلمة يلقيها القائد "الطيب". بلغت النشوة بي حدوداً فائقة، حين ارتضاني أربعة من هؤلاء الخاصة سائقاً لهم في الرحلة من محلتنا إلى "سان فرانسيسكو"، وشعرت بأنني نجحت أخيراً في اختراق طبقات "منظومة السيطرة والتحكم"، في نادي الحارس "والاثنين الآخرين".

لكن كل مشاعر الكبر اللذيذة، والانتفاخ المطعم بالسرور، والمجبول بالحبور، ذهبت حين وقفت في بهو الفندق، انتظر باب القاعة ليفتح فندخلها؛ فنجلس بانتظار الأمير… لقد وقع المشهد عليّ وقوع الصاعقة، حين لم أفلح في افتقاد أحد من أبناء الجالية المسلمة في منطقتنا؛ فكلهم كان هناك! الوزير والخفير، والغني والفقير، والشيخ و"العلماني"، والناجحون أصحاب شركات التقنية من "رواد الأعمال" والمتظاهرون بذلك، والحالمون بامتلاك هاتيك الشركات، أو بإتقان التظاهر بحلي ولغة وأدوات الصنعة… هذا فضلاً عن أصحاب حوانيت اللحم "الحلال" -ومواد التموين المشرقية المكدسة بفوضى على الأرفف الضيقة- ومتعهدي حملات العمرة والحج.

حتى الأخوان اللذان يشتبكان وقت كل أذان أيهم يسبق إلى "الميكروفون" كانا هناك… بل حتى ذلك المخبر السري المعروف، الدائم الحضور للمسجد في كل الأوقات، والشائع عند معظم الناس أنه يتجسس عليهم، وإن لم يحل ذلك دون توطد علاقته بهم جميعاً رجالاً ونساء وولدانا، حتى ذلك الرجل (ولنرمز له بالحرفين خ.ر) كان موجوداً في انتظار أردوغان! يا ضيعة الفِخَار، ويا تكسير الفُخَّار، على ما أمَّلت من صعودٍ في سلم النقابة والقيادة والولاية في "الكوميونيتي"، من حيث خصصت بما سامه كل مفلس، وكل موسر معهم أيضا!

لكن لحضور الرجل -وللجرس العثماني لمراسيم وبروتوكلات الأمن وللسان التركي- قدرة فائقة على تشتيت مشاعر الخيبة الأولية، واسترداد أبرز ملامح لحظة الإثارة.

والحق يقال، فإن هذا القائد دائم الفوز في الانتخابات، والصاعد من مهنة كنس الشوارع، مروراً بأدوار ووظائف شتى، إلى رتبة الزعيم الأكثر شعبية (لعل لقطة "ون مينيت" مع الهالك "بيريز" لم يتفوق عليها سينمائيا إلا "عبدالله غيث" وهو يضرب عدو الله أبا جهل في فيلم الرسالة) هذا القائد يحسن جذب انتباه الجمهور نحوه دون تكلف، ويشد الجالس بين يديه إلى مظاهر أُبهته المستحقة.

أضف إلى ذلك حياء زوجه وخفرها -إن شئت أن تقارنها بمثيلاتها من السيدات الأوليات في بلادنا فهذا شأنك أيها القارئ- وصورة ابنتيه اللتين فرغتا في حينه -على ما سمعنا- من التخرج في إحدى أحسن جامعات أميركا.

أضف تلك اللقطات فتحصل على صورة الزعيم المثالي، على الأقل نسبياً؛ في عالم إسلامي كان فيه "القذافي" رئيساً وقاصّاً ومرشداً لثورة، و"مبارك" -كنز الكيان الاستراتيجي- قائداً للحرب الجوية ضده، و"بشار" قائداً في محور المقاومة، والممانعة، والقتل تحت التعذيب، وآخرين قرر الكاتب الامتناع عن تسجيل أسمائهم (خوفاً لا طمعاً).

وأحب أن أنوه هنا إلى أن هذه الزيارة تمت قبيل أن تطوى أيام الربيع العربي -وإن كانت أشراط ساعة الطي قد لاحت نذرها- لئلا يلحظ أحد القراء غياب أي ذكر لرئيس "الأوميغا" في هذا السياق. وعليه، تكون الزيارة قد تمت أيضاً قبل بضع سنوات من نزول الخيبة العميقة على عشاق الطيب، وهم ينتظرون نجدة حلب التي لم تأتِ…

وبالعودة لبيت القصيد: لم يكن الحضور القوي لشخص الرئيس يومها ليبرر الانسحاق والانهيار التام في مشاعر الحاضرين وانفعالاتهم: فجأة، ذابت الفوارق بين السلفيين والصوفيين، وبين من احتربوا على هلال رمضان وحل الاحتفال بالمولد من حرمته، وبين من يتقربون إلى النجاح المادي والإعلامي الوضيع في أميركا، زلفى، بإنكار مشروعية قضايا أمتهم، وبين من يتمسكون بالحد الأدنى القليل من الكرامة في صون تلك القضايا.

فجأة، انكشف المجتمع المسلم في وادي السيليكون على حقيقته: المسلمون المعتدُّون بتفوقهم المادي والأكاديمي -بحق حينا وببعض المبالغات أحيانا- استردوا صورة المسلمين المستضعفين الذي يضربون أكباد التويوتا إلى حواضر الخلافة (يستحق شغف المجتمع المسلم بسيارة التويوتا دراسة مستقلة ليس هذا مقامها) طلباً للدعم والعون، وكأن تلك القاعة في "سان فرانسيسكو" أضحت بيت أمير المؤمنين في بغداد، أو دمشق، أو الآستانة.

الشيخ سليم الطوية، لكن قليل الحيلة، وضعيف التأهيل، مع الآخر الانتهازي الذي يوظف ملكاته ليبتذل الدين، ويبذله ثمناً في حوارات الأديان مع أصدقاء الكيان الصهيوني- كلاهما يمد يده لأردوغان طالباً الدعم.

فجأة، يذهب حديث "سطوع شمس الإسلام من الغرب"، وتذوي أفكار "الحل الإسلامي من أعالي البحار" (وما إلى ذلك من "خرابيط" ينتجها طول وحدة الماكث في الغربة، وقدم عهده بازدراء الطعام المشترى من محلات "كوستكو" للجملة) وتذهب السكرة، وتعود الفكرة: "يا أردوغان نريد مالاً لمؤسساتنا وهيئاتنا". ثم اكتشف بعضنا أصولهم التركية و"العصملية"، وقدموا بذلك بين يدي طلب الدعم المادي والمعنوي من ممثل تركيا؛ إحدى الدول الإسلامية القليلة، التي تبدو كدولة حقيقية بين قريناتها في العالم…

اليوم أنا أتذكر صورة اليتم تلك، والأخبار تترى بتأكيد ما بشرت به غربان البين التي طارت بين يدي فوز "الرئيس الطرم" بسكنى البيت الأبيض (والطرم هو اقتراح الفقير لربه لتعريب ملائم لاسم "ترامب"، وحتى لا يشق على مذيعينا وجماهير أمتنا نطق اسم أمل الإمبريالية، وهدية عنصرية بني الأصفر للعالم).

يسعى الطرم إلى إقرار جملة قوانين سَتُذْهِبُ سدى أهم ما حلم به المسلم المهاجر للبلاد الغربية: جنسية تقيه بعضاً من غدر الزمان، وتسهل حركته في الأقطار والبلدان. وإذا أقر الطرم وفريقه -كما يحتمل- قوانين تجعل من امتيازات الجنسيات الغربية منوطة بمحل ميلاد المرء وأصله، فكيف لي أن أحافظ على ميزة السفر الميسر تحت غطاء الجواز الأميركي (على اعتبار أن المطاف قد ينتهي بالدول الغربية الأخرى لمعاملة أميركا بالمثل، والحط من امتيازات الأميركي ذي الأصل العربي أو المسلم في حرية الحركة من دون تأشيرات دخول)؟ وكيف لي بهذه القوانين، إن أقرت، أن أتلمس روح السندباد الحبيسة في داخلي -وداخل كل عربي- فأسافر تحت مظلة هذه الوثيقة إلى أقطار أوروبا وإفريقيا وأستراليا، دون أن أعبأ بتقديم طلبات التأشيرة لشهور تسبق تاريخ الرحلة؟ وكيف لي أن أدخل ذلك البلد العربي المغلقة حدوده دون تأشيرة، ودون "عدم ممانعة"، فأمر من بوابة الحدود، وأنا أوشك أن "أتطنز" على الشرطي الذي لا يكون له قبل بمنعي؟ سبحان الله، طلبت حظ السندباد في حرية الترحال والتنقل، ففزت بنصيب الأربعين حرامي في محدودية الحركة، وضيق الأرض بما رحبت!

ولا عجب، فالسندباد لم يسافر وفي جيبه كتاب من "أن جي أوه" بتسهيل مهمته، ولم يحمل جنسية قط، لا شرقية ولا غربية، إلا جنسية العروبة (يمكن للمشككين الرجوع للمسلسل الكرتوني ذي الصلة، والتأكد من فصاحة المذكور، ومحل إقامته حين "يكن ويهدأ" في بغداد والبصرة).

أما الرحلات عبر محيطات العالم وقارات الأرض فتقتضي ابتداء أن يفرغ السندباد من ترتيب أمر انتقاله السلس والسهل والميسر -ومعه متاعه وبضاعته- من بغداد إلى حلب، ومن الموصل إلى دمشق، ومن القاهرة إلى صنعاء، ومن الحجاز إلى القدس، ومن عُمان إلى تطوان، ومن رفح إلى رفح؛ فوق الأرض وبدون أنفاق.

إن تم للسندباد هذا فسترسل له جزائر بحر الظلمات رسائل أشواقها، وستفتح له مدن شواطئ البحر المحيط أبوابها مرحبة؛ محتفية بالغريب القادم، ليمد للإسلام ذراعاً من المستقبل الزاهر خارج أرضه، يكون حلية، ونوراً على نور مستقبل هذا الدين، ودرره وتيجان ملكه، في حواضره ومرابعه!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد