الثورة لا تفنى ولا تُخلق من العدم

نحن لا نحبّ الحياة إلا الكريمة منها. والثورة لم تنتهِ بحلب، الثورة بدأت الآن، الثورة أصبحت جميلةً الآن، لقد انفضّ كلّ الخونة وكلّ الخائفين وكلّ المشككين والرماديين من حول ثورتنا، الثورة لا تفنى ولا تخلق من العدم، لا تفنى لأنّ الثأر كبير ولن يُنسى بسهولة، لم تخلق من العدم لأنّ أنهار الدم لا تشربها الأرض وتكفي لريِّ شجرة الثورة عشرات السنين، ولنا في إخوتنا الفلسطينيين أسوة حسنة، ها قد علَّقنا مفاتيحنا على صدورنا، وأوراق "الطابو" الخضراء بأيدينا ومحال أن ينتهي الزيتون.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/30 الساعة 05:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/30 الساعة 05:21 بتوقيت غرينتش

بماذا أختصرَ قصَّة وملحمة ومجزرة ومحرقة حلب، وماذا عسانا أن نكتب، ومن أين نبدأ؟ هل نبدأ من الحصار؟ من الدمار؟ من الأعضاء المبتورة؟ من الخنادق المحفورة؟ من الجروح المفتوحة؟ من الحناجر المبحوحة؟ من تحت الأنقاض أم من فوقها؟ من أمام السفارات أم من خلف الشاشات؟

نُشِرت آلاف الفيديوهات، كان أكثرها صدقاً وأشدّها عمقاً تلك التي صُوِّرت بلا إعدادٍ مسبق، بلا تأثيرات صوتية أو مرئية، بلا فلاتر، بلا تلقين ولا أوامر، تلك التي أُخذت على عَجَل من امرأةٍ أو رجل، رافعاً أصبعَيه بلا وَجَل، لا يهمّه من خذَل، لكنّه متسلّحٌ بالأمل.

كان جلّ اهتمام من خرج أن يعلمَ العالَم حقيقة ما جرى، لا يريدون أن يُنظَر لهم كعددٍ مرَّ في نشرة أخبار فقد سئموا الأعداد مذ "باتت أيَّام الأسد معدودة". لقد كانوا واعين لأكبر مصائب حلب وسوريا والإنسانية، وهي أنَّ معالم الجريمة ستُمحى، لسان حالهم والكلمات التي بين سطورهم تقول المدينة سيُعاد بناؤها، ونحن سنموت ويندثر رفاتنا، لكن الحقيقة يجب أن يعلمها أبناؤنا، يجب أن يراها جيراننا سكان كوكبنا، إنْ استطاع السفَّاحون أن يُفلتوا من الجزاء فلا يجب أن يُفلتوا من دعاء الشرفاء من كلِّ الأديان، على الأقلِّ يجب أن نجبر العالَم على الشعور بالخجل أو الخوف من النوم في الظلام.

بلا تحليل عميق ولا تمحيص أو تدقيق، نجد أنَّ المئة ألف مهَجَّر الذين يخرجون أخيراً ليسوا من الرعاع، ليسوا تتاراً أو برابرة أو شعوباً بدائية، ليسوا آلات طحن طعام حيوانيَّة، ليسوا مطبّلي طناجر أو قليلي تربية كما قال السفَّاح، بل هم كما قال أسوَد الوجه "مجموعة معلمين وأطباء ومهندسين"، قالها على سبيل التهكِّم، لكنَّه لم يدرِ أنَّه أصاب كبد الحقيقة، لقد علَّموا العالَم معنى الصمود واكتشفوا أمراض هذا العالَم المختلّ عقليّاً وأخلاقيّاً، أتحدَّى كلَّ العالم أن يجدَ خطأً منطقيّاً واحداً في جميع المقابلات العفويَّة التي بُثَّت على فيسبوك مع من خرج سواء كان طفلاً أم كهلاً، رجلاً أم امرأة، بخلاف ما يبثُّه إعلام النظام وأعوانه، رغم أنَّهم يحضِّرون لقاءاتهم ويدرِّبون المواطنين المارِّين -صدفةً- بجانب المذيع.

في هذا الوقت كان روّاد مواقع التواصل الاجتماعي لا يفتخرون بصداقاتهم مع بريتني سبيرز، بل كانوا يفتخرون بصداقتهم مع هادي العبدالله وبيبرس مشعل وبانة العابد، كان هؤلاء وأصدقاؤهم النجوم، وحاول النظام صناعة نجومٍ ليغطّي نور هؤلاء لكن هيهات هيهات، فلم يكن الجمهور يتابع نجومه إلا من أجل السخرية منهم.


أيضاً لم تكن الحياة لتتوقف هناك بكل تفاصيلها لكن كانت تتكيّف مع كل تلك الظروف المريرة، كانت المدارس في الأقبية، فلم تقف الدراسة رغم تدمير المدارس على رؤوس الطلاب، كان النظام يستخدم المدارس ممرات عسكرية، بينما كان الثوار يستخدمون الملاجئ والمستودعات كمدارس، كانت حفلات الزواج مستمرة ولم يتوقف إنجاب الأطفال في أقسى الظروف.

لم يكن الزواج زواجاً فسيولوجياً فقط، كانت قصص الحبّ وهدايا الخاطبين ورسائل العاشقين كما لو أنه لا حصار، شموع وورود، رسائل ومراسيل حبّ، كتابة على الحيطان وحفرٌ على سوق الأشجار لحروف المحبين، وثّق العشاق بعضاً من قصص حبّهم على حيطان مدينتهم، لم يدّخروا فكرةً إلا ونفّذوها ليغيظوا سارقي بيوتهم وأرضهم وأحلامهم، كانت قصص حبهم رسائل تقول الحصار والحرب لم يزِدنا إلا إنسانيّة ومشاعر نبيلة.

[مصدر الصور موقع فيسبوك]

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد