لماذا بقي بشار الأسد في الحكم إلى الآن رغم ما فعله من قتل وتشريد؟
هذا التساؤل يتبادر إلى الأذهان بعد مرور أكثر من خمس سنوات على انطلاق الثورة السورية، وبعد السقوط المفاجئ لمدينة حلب، ففي الجمهوريات العربية الأخرى سرعان ما تساقط رؤساء هذه الأنظمة كمبارك وبن علي، أما في سوريا فلا يزال الأسد في الحكم حتى الآن.
تتنوع الأسباب التي أدت لبقاء الأسد في الحكم إلى أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية، ولكن بالمحصلة جميعها أسهم بهذا الأمر، وإن كان بنسب متفاوتة.
بعض هذه الأسباب بدأ قبل الثورة، وأما بعضها الآخر فبدأ خلالها، ولعل من أبرزها:
1-وجود إسرائيل في الجوار السوري
خلق حافظ الأسد حالة من السلام مع إسرائيل منذ عام 1974 وحتى وفاته عام 2000، وجاء ابنه بشار على نفس المنوال، وبقي على نفس موقف أبيه، وخلال هذه المدة التي تجاوزت 40 عاماً لم تُطلق طلقة واحدة من الجانب السوري باتجاه إسرائيل ولم يتعدَّ الأمر سوى تهديدات وظواهر صوتية كان يطلقها النظام السوري من فترة إلى أخرى تجاه إسرائيل، ولعلم الأخيرة بوفاء عائلة الأسد بالتزاماتها طوال هذه المدة عملت مع حليفتها أميركا على بقاء الأسد ونظامه بعدة طرق، فأميركا منذ خمسة سنوات وحتى الآن ما زالت تماطل في القضية السورية بحجة عدم وجود بديل متوافر حالياً للأسد ونظامه الذي يحافظ على أمن إسرائيل.
2-التأييد الداخلي لنظام الأسد
لا يستطيع أحد إنكار وجود حاضنة شعبية لنظام الأسد في الداخل السوري، وتتنوع هذه الحاضنة في شكلين رئيسيين:
أولاً: حظي النظام بفئة لا يستهان بها من السنة في سوريا وقفوا إلى جانبه، فبعضهم أيده لأسباب اقتصادية، فكبار التجار في حلب ودمشق كان النظام قد عقد معهم اتفاقيات غير معلنة قبل الثورة، في مقابل حصص للنظام من أعمالهم تمتعوا بامتيازات الاستيراد والتصدير في السوق السورية، واستمر هذا الأمر مع بداية الثورة، وهذا لا يلغي بالطبع وجود فئة من التجار وقفوا مع الثورة، لكنني أتحدث عن الغالبية هنا.
أما البعض الآخر من السنة في سوريا فقد كان تأييدهم على أساس الجهل بطبيعة هذا النظام وخططه المستقبلية وبحجة أنه يؤمن لهم حالة من الأمن والاستقرار.
ثانياً: حظي النظام بتأييد غالبية الأقليات في سوريا، ويعود هذا نتيجة ما روج له النظام خلال عقود بأنه حامي الأقليات في سوريا، وقد نجح هذا الأمر داخلياً وخارجياً بنسبة كبيرة، فالعلويون بغالبيتهم كانوا أول من أيد النظام وبطشه بالثورة، وكانوا الخزان البشري الذي يمد قوات الأسد بالمجندين والضباط، أما المسيحيون فقد قامت نسبة كبيرة منهم بالهجرة من سوريا، أما من بقي فهو موجود في مناطق النظام وتحت حمايته، أما بالنسبة للدروز فكان الأمر مختلفاً؛ إذ فضلوا البقاء على الحياد وعدم التدخل في الصراع القائم مع رفض الكثير من شبابهم الالتحاق بالجيش السوري.
حقق النظام خلال العقود الماضية ما أراده، فخلق شرخاً كبيراً في المجتمع السوري وبين طوائفه، وأبلغ مثال على هذا ما يحدث الآن في المحافظات السورية، فبينما يموت الناس جوعاً في مضايا والزبداني يفتتح تجار دمشق محلات بيع الطعام باستعراضات مثيرة للاشمئزاز، وبينما يموت الناس في حلب قصفاً بالصواريخ والبراميل، تعيش مناطق النظام في الساحل حياة مناقضة في المقاهي والمطاعم والسهرات الليلية.
3-الأسباب الاقتصادية
في الوضع الاقتصادي الداخلي في سوريا لطالما نجح النظام بالخطة التي يتَبعها لتمويل نفسه، فكل مرة يعمد النظام لخفض قيمة الليرة السورية بشكل تدريجي حتى وصلت الآن لعشرة أضعاف أو يزيد مما كانت عليه قبل الثورة، ويقوم النظام من وقت إلى آخر بنشر الإشاعات برفع أو خفض قيمة العملة؛ لينجح في سحب العملة الأجنبية الصعبة من الأسواق، هذا بالإضافة إلى التمويل القادم من عمليات الخطف التي يقوم بها النظام، فيجري مقايضة عن المختطف أو مكان وجوده مقابل أموال طائلة.
ومن المصادر الأخرى التي يمول النظام نفسه بها عمليات تجارة السلاح، وتبادل النفط مع تنظيم الدولة، بالإضافة إلى الضخ الإيراني المستمر للعملة الصعبة في الخزينة السورية.
وما يفعله النظام الآن في الوضع الاقتصادي في سوريا ينذر بأسوأ العواقب في حالة سقط النظام أم لم يسقط، فحالة التضخم الكبيرة الحاصلة الآن بالإضافة إلى تهريب الأموال خارج سوريا ستؤدي إلى إضعاف وخفض العملة السورية في المستقبل بشكل مخيف جداً سيكون أضعاف ما حصل لها الآن.
4-الدعم الخارجي
سارعت إيران منذ بداية الثورة السورية إلى دعم الأسد ونظامه بشكل علني كبير، فبدأت بإرسال المستشارين العسكريين لقمع الثورة، ولاحقاً بسبب النقص الكبير في التعداد البشري لجيش النظام قامت بإرسال ميليشياتها الموجودة في لبنان والعراق لمؤازرة جيش النظام، هذا عدا دعمها السياسي والاقتصادي غير المحدود له، وعندما لم ينجح كل هذا وشارف نظام الأسد على السقوط أواخر عام 2014 نتيجة الهزائم المتتالية، أعلنت روسيا تدخلها العسكري بعد أن عملت طوال المدة السابقة على تأمين الحماية السياسية للنظام في المجتمع الدولي، ورغم التدخل الروسي الكبير فإن النظام السوري لم يحقق تقدماً واسعاً في المناطق التي يسيطر عليها الثوار باستثناء حلب، إلا أن هذا التدخل ساهم في بقاء النظام في الأمد القريب على أقل تقدير.
5-تشتت الثوار وتفرقهم
أعتقد أن هذا السبب هو أحد الأسباب الرئيسية لبقاء الأسد ونظامه، فطوال المدة السابقة لم ينجح الثوار بتشكيل جسدٍ عسكري موحد لهم، أدى هذا الأمر إلى تفرد النظام بالمناطق واحدةً تلو الأخرى، فعندما تنطلق معركة في حلب تكون باقي الجبهات هادئة، فيقوم النظام باستقدام التعزيزات من المناطق الأخرى ويتمكن من صد الهجوم، وعندما يقوم النظام بالهجوم على إحدى المناطق لا يتم تخفيف الضغط على هذه المنطقة بفتح جبهات أخرى، فيتمكن النظام من تحقيق مراده، وهكذا يتكرر الأمر من منطقة إلى أخرى.
هناك أسباب أخرى أدت لبقاء الأسد ونظامه في الحكم، كسياسة اللعب على التناقضات الدولية والإقليمية التي يتبعها النظام، ووضع البي كي كي والأكراد في الشمال السوري، بالإضافة إلى وجود تنظيم الدولة (داعش) وعبثه بالثورة، ولكنني أعتقد أن الأمور الخمسة سابقة الذكر هي التي أثرت كثيراً، وأدت لبقاء الأسد في الحكم، ويجب على الثوار في سوريا إيجاد طرق جديدة للتغلب على هذه الأسباب، وخصوصاً إنهاء حالة التشرذم الموجودة بينهم، وإقامة توحد عسكري على الأقل؛ ليتمكنوا من خلاله من إسقاط الأسد ونظامه، وإن لم يحدث هذا الأمر في القريب العاجل، فإن الأسد سيتمكن من سحب البساط من تحت أقدامهم؛ ليبقى في حكم سوريا ربما لسنوات قادمة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.