(1)
نعم تحتاج الأمة الإسلامية كلها إلى إصلاح الخطاب الديني؛ ليتطابق في فهمه للنصوص مع فهم الرعيل الأول الذي أدرك أسباب نزول الآيات القرآنية، وتفطن إلى دلالات الألفاظ النبوية، واستوعب متطلبات الإنسان على اختلاف الأزمنة وتباين الأماكن، وجعل مقاصد الشريعة بوصلة يهتدى بها.
تحتاج أمتنا إلى خطاب دعوى إسلامي غير تقليدي يبعث الجسد الغافي من رقاده، وينفث في روعه العزيمة والإصرار ويدفعه إلى تبوؤ مكانه اللائق في طليعة الأمم، تحتاج أن تنفض عنها خطاب المتقوّل على الله بغير علم، والمحتكر للفهم بغير حق، والمكفِّر للمخالف بغير سند، والمتهاون في الحرمات بغير ورع.
(2)
لكن الدولة التي تريد خطاباً دينياً يصلح المجتمع ويقضي على التعصب ويطرد الجهل، مطالبة أن تنفق بسخاء على المؤسسات الدعوية، وفي مقدمتها الأزهر؛ لتصبح قادرة على تخريج أجيال من الدعاة وطلبة العلم والعلماء يفهمون رسالة الإسلام فهماً حقيقياً، ولا ينقصهم في الوقت ذاته التسلح بأدوات عصرية من علوم الإدارة، وفهم سيكولوجية الجماهير، وإتقان التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي مع دورات تدريبية مستمرة، أهمها الارتقاء بالمستوى العلمي والثقافي للدعاة، فينذرون حياتهم لتوصيل هذا الفهم لمجتمعاتهم دون قلق على أمور معاش، أو انشغال بوظيفة أخرى.
(3)
ولا يختلف المراقبون على حاجة المناهج الأزهرية إلى تحديث وتطوير، واستبدال الأمثال القديمة التي واكبت عصر مستخدميها بتلك التي تناسب واقعنا ويفهمها صغيرنا وكبيرنا، وتنقية معتمد المذاهب من الأقوال الضعيفة والآراء الشاذة، إلى التركيز على تنمية (الملكة الفقهية) عند الطالب والمتلقي، والأمر لا يحتاج إلى تكلف البحث عن معين التطوير هذا، فالمنهج العلمي السليم في استنباط الأحكام وقواعد الاستدلال قد حوى بالفعل مادة التحديث والتجديد منذ مئات السنين.. لكن من يقرأ؟ ومَن يفهم؟ ومَن يثابر على التطبيق؟
(4)
وكلما برزت قضية التجديد الديني أو تعديل الخطاب الدعوي برز اسم السلفيين تحديداً، وهؤلاء يحتاجون أيضاً على اختلاف مشاربهم إلى تعديل كبير في ترتيب أولوياتهم الدعوية، وإلى تغيير جذري في أسلوب مخاطبتهم للمجتمع، وقبل ذلك كله إلى تفهم حال مجتمعاتهم ابتداء، والتماس الأعذار للكبير قبل الصغير وعلاج جذور المشكلات، بدلاً من الوقوف بسطحية عند أعراضها، والنظر إلى المخالف بعين الطبيب المعالج أو الداعية المشفق، لا بعين جلاد غليظ القلب، ولن يتحصل للسلفيين ذلك إلا بفهم متكامل للشريعة مقاصدها وأخلاقها ومعاملاتها.
(5)
المشكلة ليست في مبدأ قبول النقد، وإنما في ماهيته، وليست في تقديس الأئمة والفقهاء، وإنما في توقيرهم وليست في إزالة ما شاب التراث من خرافات، وإنما في تحديدها.. القضية ليست رفض التجديد، وإنما هي صلاحية من يجدد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.