ما هي الحقيقة؟ محطة حلبية

الإضاءة على نسبية الحقائق المُعاينة تشكل انقلابا مطلوبا على ميتافيزيقيا العالَم الوحيد الحقائق الذي يقيس غيره عليه. من المحبط التفكير أن المتضامنين مع المسلحين والمدنيين في حلب الشرقية يشبهون، من وجه ما، المتضامنين مع الجيش السوري وحلفائه. بإمكان الأخيرين اختبار ذلك بالمواظبة على مشاهدة واحدة من جيش القنوات التلفزيونية «المعادية».

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/21 الساعة 03:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/21 الساعة 03:12 بتوقيت غرينتش

تدخل إشكالية الواسطة الإعلامية حيّز الاهتمام في اللحظة التي نتيقن فيها أن أحدا ما لن يمنحنا جواز تواجد في ميدان الحدث، بالتزامن مع نافذة خبرية تطل على كواليس الميدان.

تتخلل إشكالية الانقسامات العمودية المحاور كافة في الإقليم. فاللون الطائفي للأقاليم يحدد انتماءها. واختلاط هذا اللون على تخوم الشرخ الطائفي يشير، إلى حد معقول، إلى جغرافيا الالتهاب كما هي عليه الحال في العراق وسوريا واليمن، ولبنان بدرجة أقل. ينقسم المشهد الإقليمي إلى "مغلقات" شعبية تدوّر حقائقها الخاصة التي تعتمد وحدات معلوماتية "صحيحة" لتسردها في سياق خاص بها. تتكفل السرديات مثلا بتحويل حصار الفوعا وكفريا إلى درنة غير مرغوب فيها تعتري وجه "الثورة العذراء"، تتكفل السردية أيضا بالصقيع الذي حلّ ضيفا مؤلما على العظام الطرية لبعض الأطفال في حلب لتحوله إلى مجرد نزلة برد عابرة. لا يعني هذا التشريح تعففا عن السياسة بوصفها لوثة بالضرورة، بل اصطفافا أكثر انفتاحا على نقيضه وأقل احتكارا للطهارة. ففي مكان ما، الإصرار الضيّق الأفق على الحرفِية الأخلاقية يعني خروجا موصوفا عن السياسة وانتسابا متكاملا لنادي القاعدين عن الصراع، الصراع ذاته الذي سيهدد نمط عيش هؤلاء القاعدين إن آلت نتيجته إلى غير ما يريدون. من نافل القول، أن الانتهازية هي لا شيء آخر غير الإفادة من الجلوس في فيء من يقاتل عنّا على أسوار المدينة ومن ثم اختصار ذواتنا الثقافية بحجارة معرفية ننتجها ونرميها على ظهور الفتية المقاتلين، لننبههم إلى ضرورة الالتفات إلى مسألة الاحتباس الحراري في خضم القتال والاحتراب.

الإضاءة على نسبية الحقائق المُعاينة تشكل انقلابا مطلوبا على ميتافيزيقيا العالَم الوحيد الحقائق الذي يقيس غيره عليه. من المحبط التفكير أن المتضامنين مع المسلحين والمدنيين في حلب الشرقية يشبهون، من وجه ما، المتضامنين مع الجيش السوري وحلفائه. بإمكان الأخيرين اختبار ذلك بالمواظبة على مشاهدة واحدة من جيش القنوات التلفزيونية "المعادية". يتأتى الإحباط بالتأكيد من عدم التعود على العيش في عالم لا تحسم جدالاته الآيات والأحاديث الشريفة بالإضافة إلى الفتاوى. ما يحدث يصلح أن يكون دورة تدريبية، باهظة التكلفة، تُعنى بالإضاءة على أهمية زاوية الرؤية من حيث إنها تبالغ في إبراز أحداث وطمس أخرى، غالبا ليس عبر توسّل طرق التحوير التقليدية بل فقط عبر ربطها بسياق دون آخر. وبالمناسبة، هناك من لا يزال يخوض الحرب الإعلامية تحت سقف قياسي هو "فضح" تهافت رواية الخصم، بينما يجدر به الانتقال إلى التسليم بعقم الحرب الإعلامية البينية بسبب غياب الوسائط المعيارية. هذا التسليم يجب أن يكون مقدمة للتعاطي مع كتل شعبية صماء تنطلق من مقدماتها "الموضوعية" الخاصة التي تبني مناعتها بوجهه.

على الهامش، الهامش اللبناني، توقف "السفير" عن الوجود على الخريطة الصحافية هو محطة أخرى لتآكل الوسائط المعيارية، معيارية نسبية بالتأكيد، لمصلحة ازدهار الوسائط الإعلامية التي تلتصق في عجلات الاصطفاف السياسي مثل "برغي" في عجلة لا يلوي على دوران خارج مزاج دواسة الوقود، الوقود والنفط. أيضا، سيعلم من خسر "السفير" حجم خسارته عندما يستفيق على أقلويّته وفاقته، سيكتشف أنه سجين وسائطه التي لا تنفك تطرق برأسها، باجتهاد ولكن بعبثية، حائط الاصطفاف السياسي الذي يتمنّع على خطابها لمصلحة غرائزية موغلة في منطقها الخاص كلّي القدرة.

هذه التدوينة منشورة على موقع السفير.. للإطلاع على النسخة الأصلية إضغط هنا

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد