أسئلة منطقية إلى من زعموا تحرير حلب

هناك جماعات إجرامية تقتل الناس وتضيّق عليهم باسم الدين، نعم.. لكن هذه الجماعات لم تكن لتعرف طريقها إلى ترويع الآمنين لولا أنها وجدت من يغذِّيها ويستفيد من نموها وتعاظمها.. فتِّش دائماً عن المستفيد، هل ثار السوريون ليفروا من رمضاء الأسد إلى نار "داعش"؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/18 الساعة 03:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/18 الساعة 03:09 بتوقيت غرينتش

عدة أسئلة منطقية يحتاج كل من هلَّل لسقوط حلب أن يطرحها على نفسه. لا يحتاج المرء لمتابعة قناة تلفزيونية بعينها ولا السماع لمحلل سياسي دون غيره. دعنا نتفق أن ليس ثمة إعلام محايد في عالمنا هذا بمشرقه ومغربه، وأن الغالبية العظمى من وسائل الإعلام إنما تنطلق في سياستها التحريرية بداية من تقديم الخبر -وربما اختلاقه- وانتهاء بتحليله والتعقيب عليه؛ من فكرة مسبقة تخدم أهداف ومصالح أربابها ومموليها.. لا بأس بكل هذا.. بل وأنا أفترض رغم مفاجأتي بأن كثيراً ممن هللوا لسقوط حلب إنما قد تم تضليلهم أو على الأقل إثارة شكوكهم بشأن المجازر التي ترتكبها عصابات الأسد في حلب هذه الأيام.. إلى هؤلاء أتوجه بهذه الأسئلة.

(٢)
أي وجهة يقصدها عشرات الألوف من السوريين النازحين من شرقي حلب وفق الروايات الرسمية للنظام نفسه؟ أليست (إدلب) الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة على تنوعها؟ لماذا لم يتوجه هؤلاء إلى مناطق تخضع لجيش نظام الأسد إذا كانوا بالفعل فرحين بتخليصهم من قبضة الميليشيات المسلحة؟ دع عنك هذا.. ما الذي دفع ملايين السوريين للجوء القسري إلى تركيا ومصر والأردن وبعض دول أوروبا سوى القصف المتواصل ليل نهار؟ هل فر الملايين خوفاً من "داعش"؟ أين كانت "داعش" هذه قبل منتصف عام 2014؟ أين كانت وربع مليون سوري يُقتلون بالبراميل المتفجرة والقصف الجوي والسلاح الكيماوي؟ ثم لم يلبث الرقم أن ناهز نصف المليون في العامين الأخيرين.. إذا أردنا أن نحسب الحسبة بهذه الطريقة فلا بأس: الأسد قتل ربع المليون وشرد الملايين وتكفلت "داعش" بربع المليون الآخر وتشريد بقية السوريين، فلنعامل الاثنين إذن -"داعش" والأسد المعاملة نفسها، كلاهما إرهابي مجرم.

(٣)
مشاهد قصف البيوت على ساكنيها تُبث مباشرة من قلب الحدث، فمن الذي قصف هذه البيوت؟ الإرهابيون أيضاً؟ هل يملك الإرهابيون سلاحاً جوياً؟ هذا إن تغاضينا عن كونهم يقصفون أنفسهم بأنفسهم! من الذي اعترف باستخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه ثم سارع بتسليم مخزونه من ذاك السلاح لمّا شعر بتجاوزه الخطوط الحمراء الدولية؟ من الذي يصرح رسمياً بأن قوات دولتين أجنبيتين على الأقل تقاتل إلى جوار جنوده؟ بل من صرَّح بنفسه وفي اللقاءات المتلفزة بأن ميليشيا حزب الله اللبناني تقاتل على أرضه وبالتنسيق مع جيشه؟ ألم يكن ذلك بشار الأسد أم كانت فصائل المعارضة؟ أبحث عن الإجابات بنفسك تفهم حقيقة المأساة!

وبالمناسبة، فقد انتشر أخيراً تسجيل تلفزيوني للرئيس المصرى الراحل أنور السادات يهاجم فيه الأسد الأب، موبخاً إياه لأنه استقدم السوفييت وفتح لهم بلاده يقتلون في شعبه ليحافظ على رقبته هو وأخيه.. فيديو السادات يمكن البحث عنه على "اليوتيوب" بسهولة.. استعن به في الإجابة عن سؤال كهذا.

(٤)
عن أي جيش وطني نتحدث؟ المهمة الرئيسية لأي جيش وطني في الدنيا أن يحمي شعبه ويحرس أرضه ويدافع عن مقدراته، هل تجد شيئاً من هذا لم ينتهكه جيش بشار؟ مئات الألوف قتلهم، وأضعافهم قد عذبهم أو شردهم، أباح أرضه لجنود وإيران وسماءه لطائرات روسيا وسواحله لقواعدها العسكرية الدائمة، فتح الحدود لميليشيات طائفية جمعت طهران أشتاتها من لبنان واليمن وباكستان وأفغانستان.. فأي جيش وطني هذا الذي نحرص على بقائه أو نفرح لانتصاره على مساكين شعبه؟!

هناك جماعات إجرامية تقتل الناس وتضيّق عليهم باسم الدين، نعم.. لكن هذه الجماعات لم تكن لتعرف طريقها إلى ترويع الآمنين لولا أنها وجدت من يغذِّيها ويستفيد من نموها وتعاظمها.. فتِّش دائماً عن المستفيد، هل ثار السوريون ليفروا من رمضاء الأسد إلى نار "داعش"؟

(٥)
فلتتفق فصائل المعارضة السورية بكل أطيافها المعتدلة القابلة بالإطار السياسي الطبيعي، سواء الإسلامية منها أو العلمانية، فلتتفق على وطن متحرر من خوارج العصر الدواعش ومن تتار الفرس والروس ومن شبّيحة الأسد.. وطن متحرر الإرادة لا يسوقه أجنبي كائناً من كان، وليقبل الجميع بتسوية سياسية عاقلة لا تعتمد على الحسابات الصفرية؛ بل تقبل بالوصول إلى حالة تعادلية حفاظاً على البقية الباقية من مستقبل الأجيال السورية القادمة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد