لم أرَ إقدام طلاب ينتمون للتعبئة الطالبية التابعة لميليشيا حزب الله اللبناني على منع بث أغاني فيروز في حرم كلية الهندسة التابعة للجامعة اللبنانية، التي يقع مقرها في منطقة الحدث المحاذية للضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت معقل حزب الله، لم أرَه أمراً غريباً بالمطلق.
فيروز التي تشكل بالنسبة للبنانيين رمزاً لا تقل أهميته عن الأرزة التي تتوسط علم بلادهم، أهانها طلاب حزب الله، كما أهانوا ذوي وزملاء الطالب الذين أرادوا بث أغاني فيروز التي أحبها في حفل تأبين له بعد وفاته في حادث سير، ولا أعتقد أن إقدام طلاب حزب الله على هذا الفعل يندرج تحت إطار الحلال والحرام في الاستماع للأغاني وتحريم بثها وسماعها، بقدر ما باتت ثقافة المنع والإهانة المتعمدة للبنانيين من قبل حزب الله وحاشيته أمراً يومياً في حياة اللبنانيين، سواء كانوا من المحسوبين على خط المقاومة الذي ينتهجه الحزب، أم كانوا غير ذلك.
وإذا ما افترضناً جدلاً أن إقدام طلاب حزب الله على هذه الحركة الاستفزازية يأتي -ظاهرياً- ضمن تحريم استماع الأغاني، التي يحللونها لجمهورهم في الأغاني التي يؤديها مغنون ومغنيات تمجّد إنجازات الحزب وعناصره وقادته، إلا أن الأسئلة المشروعة التي ينبغي توجيهها من قِبل اللبنانيين الغاضبين لفيروز إلى أولئك الطلاب ومن يقف خلفهم، عن ماهية نظرتهم الشرعية -باعتبارهم غيورين على حماية أركان الشريعة- إلى دماء الآلاف من السوريين التي أراقها عناصر حزب الله منذ تدخلهم في سوريا بذريعة حماية المقدسات والمراقد؟ وكلها تحت اسم ثارات (علي والحسين وزينب) وغيرهم، من الذين يطلبون لهم الثأر أيضاً من السوريين السنّة، وكل ذلك بفتاوى مرجعياتهم وقاداتهم، الذين يرون في صوت فيروز ما هو أعظم من إزهاق آلاف الأرواح، وتشريد الملايين، وتدمير المساجد والمدارس والمرافق العامة، ليس لشيء، فقط لأجل الانتقام مع الاختباء وراء شعارات المقاومة وتحرير فلسطين التي يمر الطريق إلى قدسها جنوباً، من حلب وإدلب وحمص والزبداني ودمشق شمالاً!
أليس الأجدى بطلاب حزب الله أن يسألوا أنفسهم أيضاً وهم يمنعون صوت فيروز الحرام عن الحجة الشرعية وراء إسكات صوت عشرات المآذن في سوريا عن رفع الأذان؟ بعد هدمها أو قصفها أو حتى احتلالها من قِبل عناصر حزبهم المدافعين عن الدين والعقيدة.
بيد أن إسكات صوت فيروز وإهانتها مع جمهورها على كبره يشكل خطاً انتهجه حزب الله للتعامل مع اللبنانيين على مبدأ ما في كبير غير الجمل حتى وإن كانوا من مناصريه، والتي تعد فيروز منهم، بحسب تصريحات ابنها الملحن (زياد رحباني)، في أحد اللقاءات التلفزيونية، التي أثارت جدلاً فور إطلاقها، والتي لم تخرج على أثره تصريحات مباشرة من فيروز تؤكد أو تنفي ذلك، إلا أن فيروز التي أدت عدداً من الأغنيات التي أهدتها للجنوب اللبناني الذي ينحدر الحزب وعناصره وقاعدته من حاضنته الشعبية والاجتماعية، وكان واضحاً من كلمات تلك الأغاني أن فيروز تتبنى أو تؤيد على الأقل خط المقاومة الذي يدعيه وينتهجه الحزب.
لكن فيروز التي خاطبت الجنوب في أغنيتها (إسوارة العروس) التي كتبها ولحنها الراحلان: جوزيف حرب وفيلمون وهبي، "بلما بغني اسمك، بشوف صوتي علي"، جاء رد أبناء ذلك الجنوب عليها بإخماد صوتها في قلب بيروت التي طالما أحبتها، والتي باتت محتلة بشكل مباشر أو غير مباشر من قِبل أولئك الجنوبيين المنتمين لحزب الله، بحسب اللبنانيين أنفسهم.
وربما ستردد اليوم فيروز بعد سماعها لخبر منع أغانيها من قِبل طلاب حزب الله الجنوبيين مطلع الأغنية التي كتبها ولحنها ابنها زياد المعروف بشدة تأييده لحزب الله وقائده، والتي غنتها هي أيضاً، ستردد بعد تنهيدة طويلة، وتبديل بسيط بمعنى الأغنية في مخيلتها: "خلصوا الأغاني، هني ويغنوا ع الجنوب".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.