حلب المحاصِرة.. تحاصرني

تحاصرني حلب من كل الجهات، تمنعني من التفكير في سواها، تلجم لساني عن الكلام حتى عنها.. لعلها خلال السنواتِ الخمس التي قضيتها هناك استطاعت أن تكبلني بطوق من الياسمين، يأسرني، يمنعني من تجاهل مصابها، يُسيّرُ نهر الحنين المتدفق في دمي نحو اتجاهه الصحيح.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/14 الساعة 05:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/14 الساعة 05:59 بتوقيت غرينتش

تحاصرني حلب من كل الجهات، تمنعني من التفكير في سواها، تلجم لساني عن الكلام حتى عنها.

لعلها خلال السنواتِ الخمس التي قضيتها هناك استطاعت أن تكبلني بطوق من الياسمين، يأسرني، يمنعني من تجاهل مصابها، يُسيّرُ نهر الحنين المتدفق في دمي نحو اتجاهه الصحيح.

لم أستطع أن أتابع الكلاسيكو، ولا أن أسأل فتاتي التي أوجدها القدر أمامي عن منزل أهلها، ولا أن أستمع لأغاني السهرة المعتادة، حتى فيروز شاركتني الحنين، كلما بدأت الاستماع لها صرخت في أذني: " يا رايحين ع حلب.. حبي معاكم راح".

أرى اسمك في نشرات الأخبار في كل ساعة، تخطئ كل المذيعات في لفظه فيقولون "حلب المحاصَرة" بفتح الصاد، لكنك حقيقة "المحاصِرة" بكسرها، تحاصريني، وتحاصرين كل مَن عشقك.

ليتك نشرتِ بعضاً من الرسائل التي أرسلها محاصروك ذات يوم لك، رسائل الساعات الأخيرة من الليل التي باح فيها العشاق لك بما عجزوا عن بوحه لغيرك، رسائل بائع السحلب الستيني حين أرسلها مع إشراقة الشمس الأولى تحت رذاذ المطر، رسائل الشهداء والجرحى والمعتقلين، رسائل الحناجر التي بُحَّت حين نادت بالحرية.. لربما إن نشرت تلك الرسائل، ستتحرك أقلام "المثقفين"؛ لتحكي وجعك الحالي، كما تحركت أقلامهم في مناقشة رسائل المراهقة بين غادة السمان والحاج.

سأخبرك اليوم سرِّي الجديد، الذي حاولت إخفاءه طيلة فترة بَوحي الماضية، عند لقائنا الأول قبل سنوات لم أحبك، ولم أشعر بحبك إلا بعد فراقنا الأول، فلتسميه إذاً الحب من أول فراق، ولم أتوقع حينها أن أعود إليكِ، بل لم أتخيل للحظة أن أسكن فيكِ خمس سنوات، وأن تسكني فيَّ إلى يوم يبعثون.

صحيح أن النساء الجميلات لا يغفرن لرجل لا يقف بجانبهن في كل الأوقات، لكن صمودي في نار عشقك طيلة السنين الماضية كافٍ لتغفري لي خطئي ذاك، أقرُّ لك بخطئي يوم اخترت الفراق، وخطئي يوم قررت النجاة وحيداً، كان بوسعي البقاء لربما نجونا معاً.

لو.. دعينا نغلق عمل الشيطان، أوقن أنك تعلمين صدق الدموع التي أسكبها على ما تقاسيه، وأوقن أن الكلام المنمق والقصائد المزركشة لن توقف طوفان الدماء، ولن تمنع البراميل من الانفجار، لكني أوقن أيضاً أن المسافات مهما باعدت بيننا لن تستطيع أن تخرجك منِّي، ولا أن تخرجني منك.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد