"إن الوضع حرج، وهناك خطر حقيقي على الأرواح، والمدارس، والممتلكات، وندعو كل من يستطيع مغادرة المدينة أن يغادرها فوراً" كان هذا نص النداء الذي أطلقته السلطات الصهيونية في مدينة حيفا -التي هي ثالث أكبر المدن المحتلة- في بداية مكافحتها للحرائق التي اشتعلت في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في مناطق شاسعة من (إسرائيل)، امتدَّت بحسب خريطة نشرتها صحيفتهم "هآرتس" من مناطق نهاريا وترشيحا ويركا في الشمال، حتى مستوطنة لخيش في الجنوب. أي أنها طالت حتى أجزاء من عاصمتهم تل أبيب، وأغلقت مطارهم الرئيسي (بن غوريون) قبل أن تنتشر بصورة موسعة في حيفا وتتسبب في إجلاء ما يقارب (70) ألف شخص من منازلهم.
ولا أدري عند نشر هذه السطور، هل تمت السيطرة على هذه الحرائق وإطفاؤها أم لا، حيث ينتشر الآلاف من طواقم الدفاع المدني والأجهزة الأمنية -وتم استدعاء احتياطي الجيش- بمعية حوالي (150) سيارة إطفاء و(20) طائرة متخصصة لمواجهة الحرائق، تطوّع بها عدد من الدول للمساعدة في إخماد تلك الحرائق، التي قد تُعدُّ هي الأسوأ في التاريخ الصهيوني، وربما تكون الأكبر على مستوى العالم.
وحتى اللحظة لا أحد يعرف بالضبط أسبابَ اندلاع هذه الحرائق، فمنهم من يقول إنها مجرّد حرائق غابات، اشتعلت ثم امتدّت بسبب الرياح، علماً أن الغابات في هذا الكيان الغاشم ليست طبيعية، وإنما اصطنعها وحرص على زراعتها اليهود منذ بدء احتلالهم لفلسطين، من أجل تثبيت ملكيتهم لأرض فلسطين، ومن أشهر تلك الغابات التي أقاموها غابة "حطين"، التي أقيمت عام 1926، وغابة "جنيجر" عام 1928، وغابة "ساريد" عام 1930، وغابة "كفار هحورش" عام 1931.
وهناك من يعزو تلك الحرائق إلى ظروف مناخية وبيئية، أسهمت فيها بالذات حالة الجفاف التي تعاني منها الأرض والزراعة. على أن هنالك مخاوف ليست قليلة، وهي جادة بأن تلك الحرائق المهولة متعمّدة، وتمت بفعل فاعل، وهو ما حدا ببنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الصهيوني، للتصريح والتهديد بأن "كل حريق متعمد أو تحريض على جريمة الحرق العمد هو إرهاب بكل معنى الكلمة، وسنتعامل مع الأمر على هذا الأساس، أياً كان من يحاول أن يحرق أجزاء من إسرائيل فإنه سيعاقب على ذلك بشدة".
مضيفاً أن "التحقيقات تشير إلى أن الحرائق أغلبها سببها إضرام النار على خلفية إرهابية"، متابعاً أنه "لا يعرف حالياً ما إذا كانت جهات منظمة تقف وراء الحرائق، أم أن هناك شبكة يستلهم منها مشعلو النار ذلك". فيما أعلن جلعاد إردان وزير الأمن الداخلي أن هناك عدداً محدوداً من الاعتقالات على خلفية "إرهاب الحرائق العمد". وعلى العموم، كل تلك الأسباب وغيرها يمكن أن تندرج تحت قوله سبحانه وتعالى "فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا".
حرائق بلاد الصهاينة التي لم يتم إحصاء كامل خسائرها حتى الآن بسبب استمرارها، رغم أنها التهمت (7500) دونم، أشعلت -أيضاً- وسائل التواصل الاجتماعي، واستحوذت على أعلى نسب التفاعل والتداول، وبلغ هاشتاغ (إسرائيل_تحترق) مراتب متقدِّمة جداً في الترند العالمي، وتصدَّر مقطع "المشاهد الكاملة لاحتراق إسرائيل وانفجار القمر الصناعي اليوم" قناة "اليوتيوب" بأكثر من (2) مليون و(800) ألف مشاهدة، بواقع (75435) ألف مشاهدة في الساعة.
في الجانب العربي والإسلامي كانت الفرحة والشماتة هي المظاهر السائدة بمقاييس وسائل التواصل الاجتماعي للرأي العام، وهي مقاييس أصبح لا يمكن تخطّيها أو تجاهلها في الوقت الحاضر، باعتبار التأثيرات الكبيرة التي يحدثها التداول والتفاعل في هذا العالم الافتراضي الهائل. وتجاوز هاشتاغ (إسرائيل_تحترق) حالة الترند في أغلب الدول العربية والإسلامية، فرحاً وشماتة بالعقاب الإلهي الذي سلَّطه المولى -عز وجل- على الصهاينة، جراء مجازرهم وجرائمهم التي كان آخرها منع الأذان في القدس.
ورغم أن بعض الناس قد ساءتهم -لأسبابهم وقناعاتهم وتوجهاتهم الخاصة- هذه الفرحة والشماتة، فإنه يجب النظر إليها أيضاً كمؤشر على أن التحوّلات في الاعتقاد والفكر بشأن الكيان الغاصب، التي يعّول عليها الكثيرون في الغرب والشرق ومن بني جلدتنا، ويقولون إن الشعوب قد ارتضت وقبِلت بوجود هذه الدولة بين ظهرانيهم بعد كل هذه العقود من الاحتلال، ونست الاحتلال، وخفتت في الأمة أصوات المقاومة ونداءات التحرير؛ تبين من حجم التفاعل الكبير مع وسم (إسرائيل_تحترق) فشل رهان تلك التحولات المزعومة، وأن الأمة ما زالت حية، وبخير كثير، وأن الشعوب لا تزال على عهدها برفض هذا الورم السرطاني، وعدم قبوله في جسدهم، ويتمنون زواله اليوم قبل الغد، ولذلك انتابتهم كل هذه الفرحة الغامرة بحرائق إسرائيل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.