التوظيف السياسي للمؤشرات والمقاييس الدولية

تعد المؤشرات الدولية أداة مهمة للباحثين وصناع القرار لمعرفة مسار ظاهرة معينة كمياً، وبالتالي تسهيل عملية الحكم عليها، وعلى الرغم من هذه الأهمية العلمية (الباحثين) والعملية (صناع القرار)، فإن تلك المؤشرات وبصرف النظر عن حمولتها القيمية، أصبحت إحدى أهم الأدوات المتوافرة في النظام العالمي لتحقيق مصالح سياسية، بحيث يتم استخدام نتائج مؤشر ما من قِبل حكومة دولة كبرى ضد بعض الدول لتحقيق أهداف سياسية مختلفة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/01 الساعة 02:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/01 الساعة 02:32 بتوقيت غرينتش

تعد المؤشرات الدولية أداة مهمة للباحثين وصناع القرار لمعرفة مسار ظاهرة معينة كمياً، وبالتالي تسهيل عملية الحكم عليها، وعلى الرغم من هذه الأهمية العلمية (الباحثين) والعملية (صناع القرار)، فإن تلك المؤشرات وبصرف النظر عن حمولتها القيمية، أصبحت إحدى أهم الأدوات المتوافرة في النظام العالمي لتحقيق مصالح سياسية، بحيث يتم استخدام نتائج مؤشر ما من قِبل حكومة دولة كبرى ضد بعض الدول لتحقيق أهداف سياسية مختلفة.

وهنا سأقوم بطرح مثالين عن مؤشرين مشهورين؛ الأول مؤشر العبودية العالمي، والثاني مؤشر الديمقراطية، وكيف تم استخدام نتائجهما لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية.

1- مؤشر العبودية العالمي:
تزامن إصدار التقرير الثاني لمؤشر العبودية مع الفترة التي كانت تخوض فيها قطر معركة استضافتها لكأس العالم لعام 2022، طمعاً في تحقيق أرباح اقتصادية، وترويجها السياسي لنفسها عالمياً، وكأداة لدفع عملية السياحة.

لكن ومع صدور المؤشر العالمي للعبودية عام 2014، لجأت منظمات حقوقية تدعمها دول آسيوية كالهند ودول لها مصالح في عدم استضافة قطر لكأس العالم لتستضيفها هي كالولايات المتحدة، إلى تشويه الصورة السياسية لقطر، لا سيما أن قطر في تلك الفترة كانت تضطلع بأدوار سياسية في الإقليم، مثل أدوارها في الأزمة السورية، ومحاولاتها التوفيق بين حماس وفتح.

وعليه لوَّح الاتحاد الدولي بسحب حق قطر في استضافة كأس العالم مع دعاية كبيرة جداً شوهت صورة قطر السياسية عالمياً، مثل قضية رشوتها لمسؤولين في الاتحاد الدولي لكرة القدم، إلى قضية عبودية الوافدين من العمال الهنود والنيبال، الأمر الذي جعل الأمير القطري في تلك الفترة على حافة تعرضه لمنازعات وملاحقات قضائية على غرار عمر البشير، وهي قضايا كافية لعمليات الابتزاز السياسي، فيما لو أرادت الولايات المتحدة ذلك.

2- مؤشر الديمقراطية:
بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 تعهد الولايات المتحدة بتقديم مساعدات اقتصادية وعسكرية لكل من إسرائيل ومصر، لكن وبعد تراجع معدل مصر في مؤشر الديمقراطية من 4.56 عام 2012 إلى معدل 3.64 عام 2013 وإلى معدل 3.16 عام 2014، دارت نقاشات حادة في الكونغرس عام 2013، وكانت جلها تدور حول سؤال محدد هو: كيف يتم لنا التوفيق منطقياً بين تقديم مساعدات اقتصادية بهدف دفع عملية التحول الديمقراطي في مصر، في حين أن الديمقراطية المصرية تتراجع، وهو ما ظهر من خلال فوز الإخوان المسلمين بالسلطة وبنيتهم ليست ديمقراطية، في حين الوضع مع الانقلاب العسكري أصبح أسوأ من سابقه؟ ثم كيف لنا أن نضمن عدم استخدام مصر للمساعدات العسكرية ضد إسرائيل؟

كانت الخلاصة الأولية هي ضرورة قطع المساعدات الاقتصادية؛ لأنها لا تسهم في عملية التحول الديمقراطي، حسب رؤية البرنامج الأميركي للمساعدات، وقطع المساعدات العسكرية حتى لا تستخدم ضد إسرائيل، الأمر الذي يشكل فشلاً ذريعاً لبرنامج تحقيق الاستقرار، وتهديد الأمن البحري في السويس.

كانت المشكلة تنبع من كون قطع المساعدات العسكرية يمثل حركة عنجهية، تنُمّ عن غباء لتوظيف متغيرات القوة تجاه إقليم الشرق الأوسط، وعليه، هرع اللوبي اليهودي وممثلو شركات الأسلحة في الكونغرس باقتراح يضمن عدم إغضاب مصر بقطع المساعدات العسكرية والاقتصادية من ناحية، ويضمن أهداف الولايات المتحدة بمرور أساطيلها من سيناء، فضلاً عن استخدام الأجواء المصرية من قبل الطائرات الأميركية، وعدم خسارة الشركات قيمة عقودها المبرمة مع المصريين؛ حيث كان الحل هو إحداث تغير جوهري على طبيعة برنامج المساعدات العسكرية، من تقديم دبابات وطائرات، كما ترغب مصر بذلك؛ لتتحول نحو تقديم مساعدات بنفس القيمة، لكن في قطاعات أمن سيناء، والأمن البحري، ومكافحة الإرهاب، دون تقديم دبابات وطائرات باستثناء قطع خفيفة في هذا المجال، كالسيارات العسكرية العادية، وطائرات هليكوبتر للنقل.

من هنا نرى كيف أن المؤشرات والمقاييس الدولية أداة للتوظيف السياسي، في حين أنها وُجدت بالأساس لأهداف أكاديمية علمية وتحقيق التقدم على أرض الواقع.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد