كل الأرتال تتسابق إلى الرقة

وإذا خسر تنظيم الدولة مساحة الرقة ريفاً ومدينة وهي مساحة تقارب ضعف مساحة لبنان، فسينكفئ إلى دير الزور على بعد 130 كم من مدينة الرقة، ولن يستبعد أحد وقتها أن يستميت ويقتحم مطارها وأحياءها التي ما زالت تحت سيطرة النظام، وأن يخوض معركته الأخيرة هناك.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/30 الساعة 00:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/30 الساعة 00:34 بتوقيت غرينتش

مدينة الرقة السورية مدينة سادت ثم بادت، الرقّة السورية درّة الفرات، وأحد منازل الدنيا الأربعة عند هارون الرشيد، الرقة التي سادت في التاريخ، وأُهملت في عهد آل الأسد، وتباد اليوم لتكون مدينة سادت ثم بادت.

أعلن وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان أنه ينبغي على التحالف الدولي أن يبدأ الهجوم على الرقة بالتزامن مع العملية العسكرية الدائرة للسيطرة على مدينة الموصل (شمالي العراق) وانتزاعها من تنظيم الدولة.

لقد صرح الوزير الفرنسي بأنه يرى هذا التزامن أمراً ضرورياً، وبذلك أفصح عن الإطار العام كاملاً للخطة العسكرية الأميركية الغربية الحالية ضد تنظيم الدولة.

العسكريون الأميركيون يعتمدون دائماً في خططهم وأُطر عملياتهم على المعلومات الغزيرة المخزونة والمعلومات المحدّثة، ويعتمدون أكثر على رصد وقراءة وتحليل ردة فعل الخصم في الأيام الأولى لبدء المعارك؛ بل يختبرون عدوهم بمناوشات واقترابات حذرة محدودة مع حملة دعاية حربية ضخمة، ثم يراقبون الإجراءات المضادة والتحضيرات الكامنة للخصم ويركزون على حركة القتال والمقاتلين حتى يضعوا المسارات الرئيسية لخطة الخصم وحركة إمداداته الاستراتيجية.

وفي معركة الموصل كان محور الخطة الأميركية الرئيسي هو رسم وتوجيه المهرب، وهو أصلاً مبدأ حربي استراتيجي أن تعطي خصمك مهرباً ومخرجاً من المنطقة التي تريد الاستيلاء عليها، ومن الواضح أن القرار كان كنس مقاتلي تنظيم الدولة ودفعهم باتجاه الأراضي السورية، وتُركت فعلاً لأجل ذلك ممرات من الجهة الغربية للموصل من غير هجمات برية رئيسية.

لكن رد فعل التنظيم كان على غير التوقعات، ويبدو أن الرصد الأميركي قد سجّل حركة استراتيجية معاكسة كبيرة من مقاتلي التنظيم من سوريا باتجاه الموصل، وقد صرح عسكريون ومراقبون بذلك فعلاً.

لم يكن أمام الأميركيين الذين يقودون المعركة في الموصل إلا أن يحركوا في الجهة الأخرى لداعش، فأعلنوا بدء معركة الرقة عبر مؤتمر صحفي عاجل مفاجئ لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" وأثاروا بالإعلان دعاية هائلة على عَجَل واختاروا اسماً قوياً للعمليات، وركزوا على أن بدء العمليات سيكون خلال ساعات، وأعلن الأميركيون مع الفرنسيين والألمان عن انتشار فوري لخبرائهم ومشرفيهم العسكريين في المنطقة.

وأعلنت "قسد" فعلاً بعد ساعات أنها قد حققت تقدماً فعلياً، وأعلنت الاستيلاء على قرية لقطة من محور بلدة سلوك وقرية البوعلاج من محور بلدة عين عيسى وكلا القريتين ليس فيهما أعداد تذكر من مقاتلي تنظيم الدولة، ومع ذلك روجوا لعبارة "بعد قتال عنيف".

كل هذه الزوبعة نُفذت بوقت قياسي وبإجراءات سريعة وجذبت فعلاً الإعلام والإعلاميين، وراح الحديث يدور عن المشاركين وعن تنحية تركيا عن هذا العمل، وعن أمور تفصيلية أخرى، وعن ردود فعل الدول والجهات المختلفة.

ولا يُستبعد أبداً أن تتحرك قوات "قسد" لقضم مناطق مكشوفة شبه فارغة شمال وشمال شرق الرقة، وأن تعلن عنها بصخب وجلبة، وبنفس الضجة التي أعلنت فيها الاستيلاء على قرية "لقطة" التي لا يسكنها حالياً أكثر من 200 نسمة تقريباً، والجلبة مقصودة وستُتبع عاجلاً بما يدعمها من إجراءات جوية مع قضم وإنزالات محسوبة في المناطق الفارغة هنا وهناك حول محيط الرقة، كل ذلك لجذب مقاتلي تنظيم الدولة إلى سوريا، وللتعجيل في تفريغ الموصل منهم، فمعركة الموصل لم تصل إلى الجزء الأصعب داخل أحياء الموصل المكتظة القديمة وما فيها من سراديب ومفاجآت، وإلى الآن لم تُسجل نسبة النزوح المتوقعة والمنشودة بين المدنيين في الموصل، ناهيك عن المقاتلين، وبدأنا نسمع من العسكريين الأميركيين أن المعركة ستطول وتطول.

نحن أمام دعاية حربية تحاول أن تكون محترفة وعاجلة في مفعولها، ولكن أموراً عدّة كشفت التهويل فيها والتسريع المفتعل لما أُعلن فيها.

فرئيس الأركان الأميركي سارع إلى أنقرة، وأعلن أنه سيكون لتركيا دور في انتزاع الرقة من تنظيم الدولة على المدى البعيد، ففضحت عبارة المدى البعيد الدعاية المتسارعة المقصودة الموجهة، وأعلن وزير الخارجية التركي على أثره أن البدء الفعلي لعمليات الرقة لن يكون قبل مضي أسابيع قادمة.

أن تتمكن قوات سوريا الديمقراطية الكردية من تنفيذ مهمة الرقة وحدها مع الدعم الجوي والفني والاستخباري الغربي فهذا يصطدم بشدة بعدة عوائق:

– عدد هذه القوات لا يكفي قطعاً لتنفيذ المهام العسكرية البرية اللازمة التي توجب الانتشار في محيط الرقة على مساحات واسعة، وقطع الإمداد الدائم من جهة الشرق والجنوب، وعمليات الاقتحام من عدة محاور، والتمشيط الواسع، ثم مسك الأرض؛ لذلك أعلن التحالف الغربي بعد الإعلان عن بدء عمليات الرقة عن عمليات تجنيد وتدريب للمزيد من المقاتلين، ولك أن تتأمل سرعة عمليات ما زالت قيادتها في طور تجنيد وتدريب المقاتلين.

– قوات "قسد" ستنتشر على مساحات واسعة وستبتعد عن قواعدها الخلفية وعن حاضنتها الشعبية، وستكون في وسط غريب معاد لها إلى حد كبير.

– قد يستغل مقاتلو الجيش الحر انشغال الميليشيات الكردية في الرقة، وتكثيف أعدادها في مساحات محافظة الرقة المترامية، لتنفيذ عمليات عسكرية خاطفة لاستعادة مدينة منبج ومدينة تل رفعت وما حولها من هذه الميليشيات بمساعدة تركية أو حتى من دونها.

– إذا قرر تنظيم الدولة القتال حتى الرمق الأخير في الرقة وما حولها، فستنتظر قوات "قسد" معارك شرسة وخسائر كبيرة قد تصل إلى إبادة مجموعات بأكملها، خاصة في المثلث الزراعي شمال المدينة، وفي داخل المدينة نفسها، وإذا سبق سقوط الموصل توقيت المعارك الحاسمة في الرقة فسيكون هناك أعداد متزايدة من مقاتلي تنظيم الدولة المنسحبين من الموصل إلى الرقة وإرادة أكبر للحفاظ على ما تبقى من مناطق لتنظيم الدولة.

أما أن يستطيع التحالف الغربي النجاح في تجنيد وتدريب مجموعات جديدة من العرب وأبناء العشائر في المناطق السورية الشرقية ليزج بهم في المعركة بعيداً عن فصائل الجيش الحر التي خيبت آمال أميركا وطموحاتها مراراً، فهذا أمر وارد في ظل كلام عن ترتيبات ومساعٍ وتجنيد يقوم به أحمد الجربا وغيره بهذا الاتجاه.

أما النظام والميليشيات وروسيا فمستبعدٌ ألا يكون لهم دور في طبخة الرقة، فإذا نسقوا مع قوات "قسد" واتفقوا فسيتبادلون الأدوار معهم، وسيترك النظام لقوات "قسد" مؤقتاً شرق وشمال شرق الفرات، وسيتقدم مع الميليشيات الطائفية براً تحت الغطاء الروسي من خناصر أو من سفيرة إلى مسكنة فالطبقة، أو من الجنوب عبر السخنة وسيصل إلى الضفة الجنوبية الغربية للفرات، ويحتل الطبقة ومطارها على بعد 40 كم من الرقة.

ومع وجود أنباء عن تحشيد جديد يقوم به النظام والميليشيات في مطار كويريس جنوب الباب، فالاحتمال وارد بأن يسعى النظام إلى اغتنام الفرصة والتقدم باتجاه مدينة الباب في أقرب وقت ممكن؛ ليقطع الطريق على الجيش الحر والأتراك في أي مشاركة لهم في عمليات ومصير الرقة.. يقطع الطريق السياسي والطريق البري المناسب جنوب الفرات من الباب باتجاه مسكنة فالطبقة.

وإذا خسر تنظيم الدولة مساحة الرقة ريفاً ومدينة وهي مساحة تقارب ضعف مساحة لبنان، فسينكفئ إلى دير الزور على بعد 130 كم من مدينة الرقة، ولن يستبعد أحد وقتها أن يستميت ويقتحم مطارها وأحياءها التي ما زالت تحت سيطرة النظام، وأن يخوض معركته الأخيرة هناك.

ويبقى السؤال عن عمليات الرقة: ما مدى التنسيق الذي يجري ويتواصل الآن بين كل الأطراف المتحكمة؟ وهل يمكن أن يكون بينهم أي خلاف دون أي تصادم أو أخطاء؟ أم أنهم اتفقوا جميعاً على أن يحيلوا الرقة كغيرها من المدن السورية التاريخية من مدن سادت إلى مدن بادت ومُسحت.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد