دخلت معركة "الخلاص من داعش" أسبوعها الثالث في محافظة نينوى، ولا تزال القوات الأمنية بكافة فصائلها تقاتل بشراسة في بعض الجهات وتتقهقر في أخرى، نتيجة استماتة تنظيم "داعش" للحفاظ على آخر معاقله الكبرى في العراق.
الضحية هنا سكان المحافظة الذين ذاقوا شتى صنوف العقاب من اعتقالات وإعدامات إبان حكم المالكي، وما فعلته أجهزته الأمنية من قمع لأهل المدينة وسكان نينوى الأصليين بحجج واهية، والتي كان آخرها المخبر السري ومادة 4 إرهاب المفصلة خصيصاً للخصوم السياسيين، ومعاقبة من لا يستمع لقرارات وآراء الحكومة.
كل ما سبق ذكره معلوم للعيان، ومن يجهله فبمزاجه أو لمآرب أخرى، وبعدها أتى تنظيم داعش واحتل المحافظة كما في المحافظات الأخرى نتيجة تواطؤ واضح من بعض القادة، وهذا ما أثبتته لجنة الأمن والدفاع النيابية على لسان رئيسها حاكم الزاملي، الذي لم يحرك ساكناً بعد ما أكدت الدلائل تورط قادة كبار في الجيش ورئيس الحكومة وبعض الشخصيات الأخرى ببيع المحافظات، سوى قرار إقالتهم.
أهل الموصل وقعوا بين أمرين كلاهما مر، وصبروا واحتسبوا لعل الفرج قريب، إلا أن أحلامهم لم تلبث كثيراً، حتى بدأ التنظيم المتطرف بإعدام أبنائهم بحجج يختلقها من العدم، ويستبيح أملاكهم ويفعل ما يشاء بها دون أي رادع كونه مسيطراً على كل مفاصل الدولة والحياة العامة في المحافظة.
الحكومة العراقية الشرعية تركت التنظيم لمدة تجاوزت العامين دونما أي تهديد فعلي أو هجوم لها على التنظيم في المحافظة لردعه على الأقل، الأمر الذي أدى إلى استفحال التنظيم وتنامي خطره، خصوصاً قربه من الرقة السورية معقل التنظيم الأكبر في الشرق الأوسط.
ومع قرب انقضاء عام 2016 بدأت المعركة الكبرى لتحرير المحافظة، التي أطلق عليها العبادي رئيس الوزراء أنها "عام الخلاص من داعش"، وفعلياً بدأت المعركة بمشاركة كل القوات العراقية الرسمية منها وغير ذلك، وحتى دول الإقليم مشاركة بهذه العملية التي يتخوف الكثير منها، نتيجة غموض أهدافها، خصوصاً ما بعد تحرير المحافظة التي تعد موطن ملايين العراقيين بكافة طوائفهم وقومياتهم وأديانهم.
صحيفة القدس العربي كتبت في افتتاحيتها عن ورود أنباء متزايدة من العراق تتهم ميليشيات "الحشد الشعبي" الشيعية بنهب ممتلكات سكان مناطق جنوب مدينة الموصل الذين نزحوا منها خلال العملية العسكرية الكبرى الدائرة هناك للسيطرة عليها وإخراج تنظيم الدولة الإسلامية.
تتوارد هذه الأنباء أيضاً مع تداول مصادر إعلامية عراقية رسمية خصوصاً، وكذلك وسائل إعلام عالمية، أنباء عن إعدامات ميدانية يقوم بها التنظيم المذكور وعن عمليات تحشيد للسكان داخل الموصل لاستخدامهم دروعاً بشرية، يضاف إليها حكايات بعض النازحين عن إجراءات الضبط والربط القاسية التي يقوم بها تنظيم الدولة، فيما يخص التقيد بنظام ملابس متزمتة ومنع التدخين وحظر استخدام الهواتف الجوالة وغير ذلك.
وحسب ما ذكرته وكالة أنباء الأناضول وتداولته المواقع الأخرى عن ضابط في الجيش العراقي من أهالي الموصل فإن "عناصر الحشد الشعبي يرتدون لباس الشرطة الاتحادية بدأوا بنهب وسرقة ممتلكات سكان ناحية الشورة"، وأن "سيارات نقل تقف عند أبواب المنازل والمحال التجارية التي تخلو من أصحابها الذين نزحوا خارج الناحية.. ومن ثم يقومون بنقل الأثاث والأجهزة الكهربائية".
وكما يبرر تنظيم "الدولة" إجراءاته المتطرفة بالعودة إلى ماضي "الخلافة الإسلامية" ومعارك الإسلام الأولى، فإن قوّات الحكومة العراقية (وليس فقط ميليشيات "الحشد الشعبي") تستعيد بدورها رايات الإمام الحسين وأئمة الشيعة في حربها ضد التنظيم، وكما يرتكب التنظيم جرائمه ضد سكان المنطقة باسم الإسلام، فإن القوات العراقية المقابلة لا تتورّع بدورها عن النهب والسلب والإجرام باسم الإسلام أيضاً.
القارئ والمتابع للشأن العراقي يرى تبايناً كبيراً في الآراء والرؤى لتحرير المحافظة، إلا أن الرأي المشترك هو كيفية الخلاص من هذا الورم السرطاني الذي دمر مناطق العراق وحولها إلى ركام.
وصبر أيوب جاء الفرج بعده وإن طال قدومه، فهل سيأتي الفرج الطويل بعد العذاب والويل الذي أصاب أهلنا في نينوى؟ أم سيكون حالهم كحال أهل بيجي والمناطق الأخرى التي منع أهلها من العودة إليها ويصبح تحريرهم نقمة.. هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.