كيف نصل إلى ما وصل إليه إقليم كردستان؟

كيف نصل إلى ما وصل إليه الكرد؟ كيف يمكن لنا أن نحقق ولو جزءاً بسيطاً من تلك الإنجازات التي يتململ ويتذمر منها المواطن الكردستاني، وهو يطالب ويطمح إلى المزيد؟ كيف تمكّنت النخب السياسية الكردية من حصد المكاسب السياسية والمنافع، من غير أن تصل بالمواطن الكردي لمواجهة مباشرة مع الحكومة الاتحادية في بغداد؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/14 الساعة 01:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/14 الساعة 01:21 بتوقيت غرينتش

من يقلّب في كتب تاريخ العراق المعاصر يكاد لا يجد في تاريخ سُنة العراق ولا في وجدانهم السياسي صاعقةً نزلت بهم كالتي هم فيها الآن. فقد اقتُلع السُنة من مجتمعاتهم، بريفهم ومدنهم، وهُدّمت حواضرهم، وهُدّم معها حُلم الحداثة، حُلم النخب والطبقات الوسطى، حتى الفلاحون والمزارعون فقدوا علاقتهم المباشرة بالأرض.

شكّلت محنة التهجير التي تعرض لها السُنة في العراق هزيمة ساحقة لهم، وكما ذكرتُ، سابقاً، أخذت هذه الهزيمة آثاراً نفسيّةً وأبعاداً اجتماعيةً على جيلٍ كاملٍ. ولكن، للأسف، ما زال البعض يتجاهل ما حدث، والبعض يكابر رغم الهزيمة، فيما يصرّ البعض الآخر على أن يبقى رهينةً لهذه المحنة.

وضعتْ محنة التهجير سٌنة العراق (الذين نزح معظمهم إلى إقليم كردستان) وجهاً لوجه أمام تجربة الكرد الناجحة نسيباً. فالمراقب المُنصف للتجربة الكردستانية في العراق، لا يمكنه أن يتغاضى عن العوامل المضطربة والبيئة الملتهبة التي تحيط بمنطقة الإقليم الكردي العراقي، الذي يتمتع بحكم ذاتي شبه مستقل عن بغداد تقريباً. فالكرد كان لهم سبْق المواجهة مع السلطة طوال القرن الماضي، حيث عانوا أيضاً محنة التهجير وقسوة النزوح، لكنهم استطاعوا تجاوز تلك المحنة، ولهذا هم اليوم الفاعل المحلي الأبرز في العملية السياسية بالعراق.

السؤال الذي يطرحه معظم السُنة المهجرين في إقليم كردستان، هو: كيف نصل إلى ما وصل إليه الكرد؟ كيف يمكن لنا أن نحقق ولو جزءاً بسيطاً من تلك الإنجازات التي يتململ ويتذمر منها المواطن الكردستاني، وهو يطالب ويطمح إلى المزيد؟ كيف تمكّنت النخب السياسية الكردية من حصد المكاسب السياسية والمنافع، من غير أن تصل بالمواطن الكردي لمواجهة مباشرة مع الحكومة الاتحادية في بغداد؟

تدرك النخب السياسية الكردية أن أساليب الهيمنة التي كانت تمارَس ضدهم، كانت بسبب تسليمهم مصادرَ قوتهم لهؤلاء الحكام. لكنهم في المقابل يدركون أيضاً أن تجربتهم مع تلك الأنظمة الحاكمة، باحتفاظهم بمصادر قوتهم أطول فترة ممكنة رغم القمع، كان لها انعكاسات إيجابية لهم، وسلبية على أنظمة الحكم الدكتاتورية تلك.

واحدة من ثمار استراتيجية الاحتفاظ بمصادر القوة تتمثل في خلق بيئة غير مستقرة داخل مؤسسة الحكم، يتبعه ارتباك ثم ضعف في قوة تلك الأنظمة، ينجم عنه عجز أو شلل لدى النظام، ومن ثم موت قوة الحاكم الديكتاتوري، وليس بالضرورة موت الحاكم نفسه. بدليل أنه لم يشارك الكرد، بشكل جمْعي، عبر تاريخهم (السياسي والنضالي المعاصر) في أي محاولة انقلابية، ولم تكن لديهم نوايا معلنة لحكم العراق، أما كون منصب رئيس الجمهورية اليوم هو كردي، فهو منصب تشريفي في المقام الأول، إذ إن الدستور العراقي الحالي منح أغلب الصلاحيات لرئيس مجلس الوزراء.

وبهذا السياق، وحول الجدل الدائر اليوم عن معركة تحرير الموصل من تحت سيطرة "داعش"، وحول الضغوط التي تمارسها الحكومة الاتحادية بشأن إخضاع قوات البيشمركة الكردية تحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة، فهنا يمكن القول إنه مهما كان حجم تلك الضغوط فلن يسلّم الكرد إدارة أهم مصدر من مصادر قوتهم. فيما لا يعني هذا غياباً للتنسيق أو عدم وجود للتعاون.

بعد هذا كله، بات من المهم للعراقيين المقتنعين بهذه العملية السياسية أو المدافعين عنها، والذين سواء كانت لديهم مصادر قوة موجودة أو معدومة؛ بل من المهم لنا جميعاً إعادة النظر في قناعاتنا وأوهامنا، وأن نستحضر دائماً مشاهد الصاعقة التي حلت بالعراقيين جميعاً، والمحنة التي يعيشها المهجَّرون والنازحون، من أجل تنبيه أولئك الساعين أو الداعمين لإثارة الأسئلة غير الصحيحة، الباحثين عن مصادر القوة، لا لشيءٍ إلا لأجل استثمارها في حروبهم العبثية، بدلاً من البحث عن مصادر تُجنّب الجميع المواجهة، وتعمل كمانعة صواعق لجميع أنواع التوترات الحالية والمستقبلية.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد