استبدلوا البيوت بالقبور..

"الله أو أي إله تؤمن به سوف يساعدك بقدر ما تساعد الآخرين". هذا ما كان يخبرني به مدرّسي عندما كنا نقوم بمساعدة النازحين، فواجب الوقت أن تساعدهم بقدر استطاعتك.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/12 الساعة 05:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/12 الساعة 05:37 بتوقيت غرينتش

الحفر هو ملاذهم الوحيد

يقول الطفل لأبيه: لا أشعر بيدي من شدة البرد ولماذا تركنا بيتنا وسكنّا هذه الحفرة؟! والسقف الذي فوقنا هو قطعة القماش؟! هل هذا ما يسمونه القبر؟! هل سنموت يا أبي!؟

يجفف الأب دمعاته بعيداً عن طفله ويربت على رأسه ويقول: هذا كابوس. عندما تستيقظ سينتهي كل شيء.

أتمنى لو كان مجرد كابوس.

الكابوس الذي كان يتكلم عنه ذلك الطفل، كانت تلك الحفرة هي محطة من محطاته، فالكابوس بدأ من الهروب من تحت قذائف المدافع وقنابل الطائرات؛ إذ إن عشرات العوائل، الشبيهة بعائلة الطفل، هربت من مدينة الموصل باتجاه المخيمات القريبة منها، هربوا وتركوا كل شيء خلفهم، وكان طموحهم أن يخرجوا قبل أن تستهدفهم قذيفة مدفع طائش أو مفخخ يبحث عن الجنة بين أشلاء الأبرياء.

استبدلوا الخيام بالقبور.. كان هذا حال الذين نزحوا من الموصل ولم يجدوا حتى الخيم لتؤويهم فاستبدلوها بحُفر في الأرض لعلها تقيهم من برد الشتاء أو هكذا يقنعون أنفسهم بذلك.

ماء وخبز، هذا كل ما يطمح إليه أهل الموصل في بعض المخيمات؛ إذ تقطّعت بهم السبل، بين تجاهلٍ حكومي ونسيان المجتمع الدولي، وربما لسان حالهم يقول: بتنا نشك في أننا بشر!

أكثر من مليون نازح، هذا ما تتوقعه الأمم المتحدة من أزمة الموصل، فإذا كانت آلاف العوائل لم تجد غير الحُفر مأوىً لها، فكيف الحال بمليون نازح! يا ترى، هل سيجدون حفراً لتؤويهم؟!

"مشهد من مشاهد يوم القيامة!".. يحدثني صديقي عن عشرات العوائل التي فقدت ذويها، فهذا الذي فقد أباه، وتلك التي فقدت أمها، والأب الذي اضطر إلى أن يترك أحد أبنائه لينقذ الآخرين.

لم يقتصر النزوح على طبقة اجتماعية معينة؛ فكل الذين سكنوا الحفر هم عوائل كريمة أجبرتهم قسوة الظروف على هذه الظروف، سؤال يجول في ذهني: يا تُرى، كيف سيكون وضعهم عندما يعودون إلى بيوتهم آميين؟!

الموصل حلب الثانية، كأن "داعش" لن تترك المدينة حتى تدمرها عن بكرة أبيها؛ إذ لم تكتف بتفجير دوائر الدولة والبنايات التاريخية، وإنما جعلت من أحيائها ساحات للحرب، والخاسر الوحيد هو المواطن الموصلي البسيط الذي يأمل أن يجد الأمان في تلك الأزقّة التي سلبتها تلك الرايات السوداء التي ادعت الخلافة الإسلامية.

ربما تنظر إلى حالهم وتقول: الحمد لله الذي عافاني، وتُكمل ماشياً كأن شيئاً لم يحدث. ولكن، تخيل لو كنتَ مكانهم؛ هل كنتَ ستسامح الذين أداروا لك ظهورهم؟! قد تقول: مستحيلٌ أن يحدث هذا، فأحب أن أُنعش ذاكرتك بأن من ضمنهم الطبيب وعامل النظافة.

"الله أو أي إله تؤمن به سوف يساعدك بقدر ما تساعد الآخرين". هذا ما كان يخبرني به مدرّسي عندما كنا نقوم بمساعدة النازحين، فواجب الوقت أن تساعدهم بقدر استطاعتك.

يستيقظ الطفل، ولكن لسوء الحظ لم ينتهِ الكابوس كما وعدهم والدهم أو وجدوا بيتهم الموعود، ولكن فاضت حفرتهم بماء الأمطار، يبكي ويصرخ الأب هذه المرة من غير استحياء ويقول لولده: سامحوني يا أحبتي؛ يبدو أن كابوسنا سيطول!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد