المواطنة المتوحشة لدى الدول المصدِّرة لداعش

المدهش في هذا التقرير، أن العدد الأكبر من الذين لم يسجلوا المواطنة كانوا من دول عربية وإسلامية، والمتطلع للتقرير سيجد أن هذه الدول هي الأكثر فساداً في العالم، حسب منظمة الشفافية الدولية لعام 2016م، كما أنها هي الأسوأ في حقوق الإنسان، حسب تقرير "أطلس مخاطر حقوق الإنسان" لعام 2014م.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/10 الساعة 03:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/10 الساعة 03:36 بتوقيت غرينتش

نُشر مؤخراً تقرير تنظيم الدولة الإسلامية: رؤية من الداخل، وهو تحليل للوثائق التي حصل عليها مركز مكافحة الإرهاب في وزارة الدفاع الأميركية، عبر وكالة آن بي سي الإخبارية، والتي حصلت عليها من أحد منشقي تنظيم الدولة (داعش)، ويعد التقرير بمثابة كنز يحمل في طياته أهم الوثائق والمستندات عن مقاتلي وأعضاء تنظيم الدولة الإسلامية الأجانب، أثناء تدفقهم لمنطقة التنظيم بين حدود العراق وسوريا. وفنّد التقرير 4173 استمارة صحيحة من أصل 11000 وثيقة يتوزع أصحابها بين 70 دولة، شملت معلومات ديموغرافية واجتماعية وصفة المواطنة، بالإضافة إلى المهارات والخبرات السابقة ومستويات التعليم النظامي والديني.

وبحسب معدي التقرير، فإن المعلومات المتوافرة في التقرير تمثل 31% من نسبة مقاتلي تنظيم الدولة، خلال الفترة من أوائل 2013م وحتى نهاية العام 2014م، والتي تشير تقارير أخرى إلى أن أعضاء تنظيم الدولة يصلون إلى 30000 مقاتل من أكثر من ثلث دول العالم، ويسيطرون على مساحة أكبر من بريطانيا.

ومن ضمن أسئلة عديدة شملتها استمارات التجنيد لتنظيم الدولة، كان هناك سؤال عن المواطنة، لم يُجِب عنه سوى52.2% من عدد الاستمارات التي أفرزها التقرير، وهذا مؤشر على ضعف حالات الهوية والانتماء لهؤلاء المقاتلين.

وبحسب رأي الباحثين، فإن السبب يعود إلى أن المواطنة التي ذكرها المقاتلون الأجانب قد تختلف عن مكان عيش المقاتل قبل قدومه لأماكن الصراع في سوريا والعراق، أي أنه ليس قادماً من موطنه الأم.

المدهش في هذا التقرير، أن العدد الأكبر من الذين لم يسجلوا المواطنة كانوا من دول عربية وإسلامية، والمتطلع للتقرير سيجد أن هذه الدول هي الأكثر فساداً في العالم، حسب منظمة الشفافية الدولية لعام 2016م، كما أنها هي الأسوأ في حقوق الإنسان، حسب تقرير "أطلس مخاطر حقوق الإنسان" لعام 2014م.

وذكر التقرير أن عدد الذين سجلوا صفة المواطنة هم من دول غربية وآسيوية، وهي الدول الأكثر شفافية، ومن هذه الدول الهند ذات الكثافة السكانية العالية، وفيها أكبر تعدد للديانات والأعراق والممارسات الدينية، ويعتبر الدين الإسلامي هو الدين الثاني بعد الهندوسية.

فعلى الرغم من أن الهند فيها أكبر تجمع من المسلمين يصل عددهم إلى 260 مليوناً وهم أكثر من عدد سكان 20 دولة عربية إسلامية، فإن عدد المنضمين لتنظيم الدولة من جمهورية الهند سبعة أشخاص فقط، والذي سجل صفة المواطنة شخص واحد وقد يكون ليس قادماً من الهند، وبالتالي صفة المواطنة قد تكون ذكرت بحسب الجنسية، وليس بحسب المواطنة، أي أنه قادم من دولة أخرى تم استقطابه من قبل تنظيم الدولة، وهذا يعني أنه يمثل صفراً بالنسبة لعدد السكان فيها.

وبالنظر إلى عدد المنضمين لتنظيم الدولة من الهند ومقارنتهم بالمقاتلين القادمين من الدول الغربية والأوروبية، فسنجد أن الغرب مورد مهم لتنظيم الدولة والمنضمين لها من أوروبا بالآلاف، علماً أن عدد المسلمين في الغرب كلهم لا يصل إلى ربع عدد المسلمين الموجودين في الهند؛ لذلك القضية ليست قضية فقر أو مستوى اقتصادي أو خدمات، بقدر ما هي مواطنة مفقودة في هذه البلدان، والتي جعلتهم على هذا النمط من المواطنين المتوحشين.

الإعلامي والقاضي الألماني يورغن تودنهوفر، الذي زار تنظيم الدولة، وأصدر كتابه "في قلب داعش: 10 أيام داخل الدولة الإسلامية"، وتصدّر قائمة أكثر الكتب مبيعاً في ألمانيا، قال في مقابلة له في الجزيرة، إن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى وحشية مقاتلي تنظيم الدولة، هو أنهم يشعرون بالتمييز والاضطهاد في بلدانهم، وأن قيمتهم الاجتماعية ليست عالية، وأن هناك ضعفَ تقدير من دولهم بسبب انتمائهم الديني.

وقال أيضا إن الإرهاب الغربي وراء نشأة تنظيم الدولة، ففي عام 2008 وأثناء الغزو الأميركي للعراق بلغ عدد السجناء والمعتقلين والمحتجزين في كل أنحاء العراق 595,50 حسب تقرير التنمية البشرية 2009م، وفضيحة سجن أبو غريب أكبر دليل.

وذكر التقرير أن الفئة العمرية من سن 24 إلى 25 سنة هم أكثر المنضمين لتنظيم الدولة، سيكولوجياً في هذا العمر يكون الشباب قد تجاوز المشكلات الخاصة بالهوية في طور المراهقة وينتقل إلى مرحلة جديدة. يصنف علماء النفس هذه الفئة العمرية بمرحلة الرشد، والشباب في هذه المرحلة يمتلك قدرات ويستكشفها فيبدأ في تنميتها، ويسعى لزيادة إنسانية القيم لديه، وأن يجد وظيفة يؤديها في المجتمع، كما أن الأخلاق لديه تعتمد على خبرات الإدراك والنظام المهني القائم للمجتمع مثل نظام القيم الدينية في المجتمع الذي يحتويه، ولديه حاجة للإنجاز ويندفع نحو الاستقلال النفسي والاقتصادي والإتقان والتعامل الفاعل، وهذا للأسف ما أدركه تنظيم الدولة في استقطاب الشباب، ولم تدركه كثير من الدول التي غادر منها الشباب ولم يعد.

المثير في التقرير، أن الذين اختاروا مهامَّ أكثر عرضة للموت هم الأصغر سناً، والذين يمثلون 13% الأفراد ذو المعرفة الشرعية الضعيفة، تنفيذ عمليات انتحارية، في حين أن 3.9% فقط الذين لديهم معرفة شرعية متقدمة ترددوا في فعل ذلك.

لكن السؤال: لماذا ينتمي هؤلاء الشباب لتنظيم داعش أو غيره من التنظيمات الإرهابية؟ لماذا الحماس والاندفاع والمخاطرة بأنفسهم؟ وفي حقيقة الأمر، الانتماء ليس سلبياً فقط، فهناك انتماء إيجابي، فكثير من الشباب ينتمون إلى جماعات تطوعية وجمعيات خدمية، هذا يقودنا للعودة إلى هرم الحاجات الإنسانية لماسلو الذي ذكر أن الحاجة إلى الانتماء في المرتبة الثالثة بعد الحاجة الفسيولوجية والبيولوجية والحاجة إلى الأمن، فعندما يحدث خلل في الحاجة إلى الانتماء إلى الجماعة أو الوطن أو المحيط الذي يعيش فيه، يبدأ الفرد يفقد سيطرته ويتوتر ويحاول أن يشبع هذا النقص في الانتماء بأي طريقة تساهم في سد هذه الفجوة من الحاجة، فيبدأ في البحث عن جماعة يضم نفسه لها فيقلل من هذا النقص والتوتر، وبحسب نظرية الهوية الاجتماعية، فإن هذا الانتماء يعزز هويته واحترامه لذاته والتي تقول أيضاً إن هوية المجموعة والفرد هي الأساس لسلوك الجماعة.

فالشباب الذين انضموا لداعش كان ينقصهم حاجة الانتماء، فهؤلاء الشباب لم ينقصهم المستوى التعليمي أو المستوى المعيشي الممتاز، فكثير من التقارير أشارت إلى أن مهن هؤلاء الشباب المنضمين لداعش أو للجماعات المتطرفة الأخرى كانت عالية، فاثنان ممن قادوا أحداث سبتمبر/أيلول كانا من حملة شهادة الدكتوراه، كما أن الفقر وانعدام التنمية، وركود الاقتصادات، ليست هي المحركات أو "الأسباب الجذرية" للإرهاب، فـ 42% من المنضمين لداعش كانوا قادمين من مجموعة دول العشرين.

وفقاً لذلك، فإن "الصعوبات الاقتصادية" عذر كان خاطئاً، كما أن الجهل والمستوى التعليمي ليس مبرراً أيضاً فـ 20% من المنضمين للتنظيمات الإرهابية حول العالم هم مهندسون، بحسب النيويورك تايمز.

للأسف فإن أكثر أعضاء تنظيم داعش هم من الدول العربية التي هي دول الثقب الأسود، وهو التعبير الذي أطلق على الدولة العربية الحديثة في تقرير التنمية الإنسانية العربية عن الحرية في 2004 وهو تعبير يعني أن المجال الاجتماعي العام صار مساحة من الجمود لا يتحرك فيها أي شيء، ويلتهم كل شيء في المجتمع لينتهي داخل هذه المساحة، التي لا يفلت من أغوارها شيء، وهذه هي حالة الفشل في بناء الدولة بمفهومها ووظيفتها الحديثين. وأرجع التقرير سبب ذلك إلى فقدان الاستقلال بمفهومه الشامل واستمرار حالة التبعية الخارجية، وإلى طبيعة النشأة التاريخية للدولة العربية الحديثة وارتباطها بكنف الترتيبات الاستعمارية، بالإضافة إلى غياب العقد الاجتماعي، وتهميش فكرة الإرادة العامة الحرة لأفراد المجتمع وافتقار الحريات، واستئثار وهيمنة قوى محددة بالسلطة، وكانت نتائج هذا الكبت والتهميش هو الربيع العربي.

كما أنه خلال خمسة عقود كانت مناهجنا الدراسية العربية حول المواطنة والتربية المدنية تتناقض مع البيئة السياسية والقيم الإسلامية السمحة، كما أن الحياة الحقيقية للطالب التي يواجهها في حياته تتناقض مع مبادئ وقيم حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، وحرية التعبير والمشاركة السياسية، والمفاهيم الأخرى التي خلقت مزيداً من الإحباط.

أضف إلى ذلك أن المناهج ومواد التربية الوطنية لا تلقى الاهتمام الكافي، فهي لا تشمل المشاركة التفاعلية من الطلاب، وليست مطابقة للاحتياجات المجتمعية في تعليم المواطنة، والمحزن أن المناهج العربية فشلت في غرس قيم المواطنة وحقوق الإنسان لدى النشء والشباب، ولا تتناول تعزيز العدالة الاجتماعية في المجتمع.

في المقابل، لقد ساعد الإعلام الغربي في إيجاد صورة نمطية سيئة عن الإسلام، وبدأ يركز على الأعمال الفردية التي يقوم بها بعض المسلمين، وهو ما خلق موجة الإسلاموفوبيا لدى الغربيين، فتولدت بيئة طاردة للمسلمين، وحالةٌ من شعور عدم الانتماء، وأفراد منبوذون بسبب انتمائهم الديني، وهو ما جعل كثيراً من الشباب المسلمين في الغرب ينضمون لداعش.

لقد فشل حكام الدول، التي كانت نسبة المنضمين لداعش منها عالية، في إدراك ديناميكية أهمية غرس سلوك المواطنة في الوقت الصحيح لأعضاء المجتمع، فدائماً يكون رد فعلهم بطيئاً، وبذلك يفقدون فرصة أن يشعر الشباب بأوطانهم، وهو ما أدى إلى أن تظهر داعش بهذه السرعة، وتقوم قوتها الجارفة وتحصل الفوضى.

المزيد من الناس، خاصة الشباب، في جميع أنحاء العالم، يعانون من فقر الروح، وفقر الأخلاق، والفقر من الغرض، والأهم من ذلك كله فقر الانتماء للأسرة ولمجتمعهم ووطنهم، فتتولد لديهم الحاجة إلى مواطنة أخرى، حتى لو كان ثمنها أنفسهم.

هي فرصة الآن، ولو متأخرة، في أن تستثمر المعلومات المتاحة في هذا التقرير في فهم ومعرفة هذا التنظيم من الداخل، مما سيكون له فائدة إيجابية، ليس فقط في محاربة تنظيم الدولة عسكرياً، ولكن في عدم تغذية التنظيم بالأفراد، وذلك في استيعاب الشباب واحتوائهم في بلدانهم الأم.

التقرير لمن أراد الاطلاع

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد