سأبلغك بمفاجأة مدوية: الداعون لـ11/11 حتى الآن فيما أعلم هم ثلاثة أشخاص فقط، هم: المتحدث باسم حركة غلابة "ومن ثم الحركة نفسها"، وشخصان ملثَّمان وصف كل واحد منهما نفسه بأنه ضابط بالجيش، قاما بتصوير مقطعَي فيديو، وكانت رسالتهما واحدة: "انزلوا في 11/11 حتى ينضم الجيش لكم"، رفع أحدهما شعار "رابعة" في نهاية الفيديو.
وغير هذا لا يوجد حزب أو حركة أو جماعة أو تحالف أو مجلس أو مؤسسة أو قيادي أو شخصية عامة دعت لـ11/11، فيما كان فقط التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب قد دعا آخر سبتمبر/أيلول الماضي للانضمام لما سمَّاه غضبة 11/11، ولكن يبدو وكأنه تراجع؛ حيث لم يُجدد أو يؤكد دعوته في أربعة بيانات أصدرها لاحقاً في شهر أكتوبر/تشرين الأول.
11/11 تلك الثورة المستحقة التي تفاعلت مع آلام الغلابة وأوجاع الفقراء والمظلومين، غضبة تحاول بلورة نيران حارقة تسكن في قلب مصر بطولها وعرضها، إلا أنها ظلَّت وما زالت دعوة غامضة ليس واضحاً مَن وراءها بالتحديد، فأهم من روّجوا لها هم إعلام نظام الجيش وإعلام الإخوان، هؤلاء بالتشويه، وهؤلاء بإفساح المجال لمتحدث حركة غلابة أن يُخاطب الناس من خلال القنوات الفضائية المحسوبة على الجماعة والدول المحتوية لها.
كان المتحدث باسم حركة غلابة قد صرّح بالتالي: "لدينا داعمون داخل النظام من شرفاء الجيش وشرفاء الشرطة، متضامنون تضامناً كاملاً مع ثورة الغلابة، وهؤلاء ينتظرون فقط نزولَ ولو جزء من الشعب؛ ليعلنوا تضامنهم الكامل معهم.. ولا أقصد بتغيير النظام عودة مرسي للحكم على الإطلاق، هدفنا هو صناعة مسار ديمقراطي جديد للمستقبل، بعيداً عن الماضي، والشعب هو مَن يقرر مَن سيحكمه، الدولة ستكون مدنية، ولن نقبل بعسكرتها أو أخونتها، ولا بأي وصاية من أي تيار، وجماعة الإخوان منشقة على نفسها، وبينهم خلافات كبيرة، ولا يملكون توجيه أحد".
يبدو كلامه واضحاً ومحدداً ومدروساً أيضاً، فهو بالفعل منذ ظهوره كشخص ويبدو أنه ومَن معه يجتهدون في صياغة رسالة وأهداف وخطاب متزن وجاذب، وإن ظل غامضاً! وهذا الغموض يشي بأشياء عديدة، في مقدمتها إما أنهم هم أنفسهم مجموعة من الغلابة الهواة، لا يدركون أهمية تجميع الصفوف وعقد التوافقات وحشد الدعم من القوى والرموز والفئات، أو أنهم عبارة عن "جهة ما" أحبطها تفاعل الثورة ورموزها وكياناتها مع دعوتهم، وربما شروطها المخفية، أو المُعلنة كما في الفقرة السابقة، مما حدا بحركة غلابة وبعض بياناتها الأخيرة أن تظهر في صورة المتشنج المتأثّر بخيبة الأمل.
وأصبحنا نرى تبادل الاتهامات والتشكيك بين حركة غلابة ومتحدثها وبقية الأشخاص والكيانات المحسوبة على الثورة، فيما يستعيدنا ذلك لواقع البؤس الذي نعيشه، والذي أفسح المجال لشخص وصفحة فيسبوك "حركة غلابة" أن يكون لهما كل هذا الصدى، نتيجة كل هذا الفراغ والسواد.
وعليه ربما هناك مَن قرر النزول في 11/11، وهناك من حسم أمره بأنه لن يشارك، وهناك مَن لا زال يراقب ويتابع ويفهم، إلا أنه في ظل حوارات الغرف المغلقة وفي ظل غياب أي رؤية مُعلنة لأي فصيل متماسك، تُصبح الاستجابة لمثل هذه الدعوات كالسباحة في الطين أو القفز في الهواء.
فلا تتوقع أكثر مما هو واقع، نحن أمام دعوة ليس على مراميها ومخرجاتها إجماع ولا توافق، ولا حتى حد أدنى من الرغبة في إنجاحها، ربما شعاراتها مهمة وجليلة، بل وهي في قمة الأولويات، ولكن لا تضخّم الحدث فتصطدم بعد ذلك بالحادث، فاللحظة تقول إنه لم يدعُ أحد لـ11/11؛ فالأقرب أن نقول غداً "لم يحضر أحد"، ربما بالفعل الشعب أمام فرصة تاريخية ليُفاجئ الجميع، فينزل هو بذاته متجرداً من الدعوات والخلفيات ليصنع قدره بيده، إلا أن هذا -إن حدث- سيكون لحظة قدرية بامتياز.
فدعونا نفهم ونستوعب؛ لنريد ونقرر، وما زلت أنا وغيري نراقب عن كثب كل هفوة ممن يقولون إنهم مع الثورة، ولن نمرر لهم أي وَهْم يسمونه ثورة، وهو استسلام أو خضوع أو انهيار، ونتفهم أهمية أن تتجاوز مصر أزمتها، ولو بحل سياسي، ولكن المبادئ الرئيسية ليست محل مواءمات أو صفقات أو لعب بالنار، وفي مقدمتها حقوق الشهداء والمصابين والأسرى، وحرية الشعب الكاملة في اختيار مَن يحكمه، والإسلام الذي هو اللحم والدم والحياة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.