طيلة الثلاثة عشرة سنة التي تلت الاحتلال الأميركي للعراق سنة 2003، كانت هناك دعوات متكررة من القوى الوطنية العراقية، وصلت إلى مستوى المناشدات للدول العربية لكي يكون لها دور فاعل في عراق ما بعد الاحتلال، لموازنة النفوذ المتنامي لإيران في العراق، إلا أنَّ كل تلك الدعوات والمناشدات لم تلق آذاناً مصغية من القيادات السياسية للدول العربية، وبالأخص الخليجية منها.
فلم تكن تلك الدول قد تخلصت بعدُ من عقدة عراق صدام حسين، الذي كان يمثل لهم تحدياً وجودياً حسب ظنهم، ومن ثم فهم يؤمنون بأن كل جهد لإضعاف العراق عسكرياً واقتصادياً؛ بل وحتى اجتماعياً، يصب في خدمة بقاء أنظمتهم، وسيكون موضع ترحيب من قبلهم، خاصة في الفترة المبكرة التي تلت الاحتلال الأميركي للعراق.
وضع السعودية ما بعد الاتفاق النووي
إلا أنه وبعد الاتفاق النووي لإيران مع الدول الغربية، الذي حرر إيران من العقوبات الاقتصادية، وحرر كثيراً من القيود التي كانت تخنق سياستها – بدأت الانطلاقة الحقيقية لإيران لجني ثمار تلك السياسة طويلة النفَس تجاه دول المنطقة، من خلال تطويق الدول العربية وزيادة الخناق عليها، وبالذات المملكة العربية السعودية التي يزداد الحصار عليها من جهاتها الأربع، فالجنوب حيث يتواجد الحوثيون وغاصت السعودية في حرب استنزاف معهم، وبالغرب هناك البحرين والإمارات الخليجية الأخرى التي يتغلغل بها الشيعة الموالون لإيران بقوة وأصبحت أنظمتها قاب قوسين أو أدنى لتتهاوى في حضن إيران، وفي الشمال حيث العراق وميليشياته الصفوية التي تتهيأ لفتح جبهة صراع مع السعودية عبر الحدود، ومن الغرب مصر التي تخطو خطوات متسارعة للالتحاق بالحلف "الإيراني – الروسي".
فهل يا ترى بإمكان السعودية التعامل مع كل تلك التحديات العسكرية والسياسية بعد تورطها في اليمن؟ نشك في قدرتها على إدارة معركة جديدة لو فُتحت عليها من الشمال عبر الحدود العراقية، في الوقت الذي لم يتم حسم الملف اليمني بعد.
إيجاد موطئ قدم في العراق
تحاول السعودية الآن، أن تجد لها موطئ قدم من خلال العشائر العراقية، ودعمها عسكرياً واقتصادياً لموازنة النفوذ الإيراني. كان ذلك أحدث مقترح قامت به القيادة السعودية بتقديمه للقيادة الأميركية، وعوَّلت السعودية كثيراً على الموافقة الأميركية لخططها في هذا الشأن، لكن الرفض الأميركي لمقترحها جاء صادماً لها، وتراجعت خطط توغلها في العراق لمراحل متأخرة جداً مقارنة بالتوغل الإيراني، المتناغم بشدة مع السياسة الأميركية.
ومرة أخرى، تفشل القيادة السعودية في الخروج من نهجها المعتاد في رسم خطط أمنها القومي، فهي لا تستطيع الانفكاك من المنظومة الأمنية الأميركية وضرورة أخذ موافقتها على تلك الخطط لتنفيذها على أرض الواقع، بينما إيران فعلت العكس، فعلى الرغم من التناغم المتنامي والكبير بين الإدارتين السياسيتين لإيران وأميركا حالياً، فإن إيران قد فرضت نفسها كلاعب أساسي بالشأن العراقي منذ بداية الاحتلال الأميركي للعراق، من خلال أذرعها في الداخل، بينما تجنب العرب، والمملكة خاصة، أية محاولة لصنع نفوذ قوي لها في العراق، مما جعل الموازين في العراق يصيبها الخلل، وتميل بشدة لصالح إيران.
جاءت السعودية الآن لتحاول أن تصنع نفوذاً لها داخل العراق في وقت متأخر جداً، حيث لم يتبق للعرب السنَّة (الحليف المفترض عربياً وإسلامياً) من حواضر في العراق سوى مدينة الموصل، التي تنتظر حتفها في الأيام القليلة المقبلة.
وما زالت المملكة تفكر بالعقلية التي ألِفناها، بينما سَبَقتْها التطورات السياسية الحالية في المنطقة. فقد تمايز الصراع حالياً في الشرق الأوسط على أساس طائفي بامتياز، وإيران تتعامل مع الأمور على هذا الأساس؛ بل هي من وراء هذا التمايز الطائفي القائم في المنطقة، من خلال دعمها للطائفة الشيعية في بقاع الشرق الأوسط لتحقيق نفوذها.
في المقابل، محاولة دعم السعودية للعشائر بغض النظر عن كونها شيعية أو سنية أو حتى كردية، وهو التفكير نفسه والعقلية القديمة التي كانت تتعامل معها الدول العربية في حل مشاكلها قديماً. فالأكراد الذين يتلقون دعماً من السعودية يقدر بـ65 مليون دولار شهرياً حسب المعلومات، لم تُحط السعودية علماً بخططهم مع الأميركان في إطار معارك الموصل. فالأحلام القومية لديهم أقوى من أن يصمد تحالفهم مع السعودية أمامها، وأميركا يمكنها مساعدتهم على تحقيق ذلك الحلم.
لنتائج مختلفة…. لا بد من أدوات مختلفة
إنَّ على السعودية، إذا ما أرادت أن تجد لها موطئ قدم في العراق بشكل حقيقي تحاول من خلاله منافسة النفوذ الإيراني فيه، ولأجل أن تضمن ألّا يتحول العراق منطلقاً لاعتداءات إيران على السعودية كما هو الحال في الموضوع اليمني – فعليها الاعتماد على أدوات مختلفة عن التي تعول عليها الآن.
ومن أهم تلك الأدوات، دعم العرب السنَّة بشكل عام، وأن تترفع عن تحفظاتها على بعض التيارات السياسية أو الفكرية المتواجدة بين الأوساط العربية السنيَّة في العراق. فالعرب السنَّة سيكونون حائطاً يحميها من التوسع الإيراني الممتد وبسرعة تجاه المملكة.
كما عليها ألا تعوِّل على الأطراف الأخرى "حالياً" على أقل تقدير؛ لأن الجانب الإيراني قد سبقها إليها وكسب ولاءها ولم تعد هناك مساحات فارغة يمكن للمملكة أن تنفذ من خلالها. بعد ذلك، ستأتي الموافقة الأميركية على خطط السعودية وتعرض التعاون معها في هذا الشأن، لأن أميركا لا تشارك في خططها إلا الأقوياء، ولا مكان للضعفاء في خططها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.