المؤسسة التعليمية وتأثيرها في الحراك المجتمعي

النظرة التقليدية للمؤسسة التعليمية ودورها قد تغيّرت، في ظل تأكيد الكثير من التربويين على أن العملية التربوية لا تتم في المؤسسة التعليمية وحدها، بل في البيت، وفي ميادين العمل، ولذلك نادى هؤلاء التربويون بضرورة تعاون البيت مع المؤسسة التعليمية لتحقيق توجيه الطلاب وتنشئتهم التنشئة السليمة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/05 الساعة 02:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/05 الساعة 02:56 بتوقيت غرينتش

إن التربية عملية لا تحدث في فراغ، فلا بد أن تحدث في وسط اجتماعي، وتتأثر بنوعية ذلك الوسط، سواء كان مادياً أو بشرياً أو ثقافياً.

ويُشكل المجتمع ومؤسساته والثقافة التي تسود فيه الإطار الذي تتفاعل معه فطرة الطفل، وتؤثر في تنشئته، ومن أهم تلك المؤسسات المدرسة والأسرة، فالمدرسة مؤسسة أسسها المجتمع لتربية أبنائه تربية مقصودة ومخططاً لها، تنتقل بواسطتها الثقافة الخاصة به إلى الأجيال الجديدة؛ لتحافظ بذلك على تراثه.

كما أن المدرسة، وهي تقوم بدورها التربوي، لا تنفرد بأداء هذا الدور التربوي والاجتماعي، ومن أهم تلك المؤسسات الأسرة.

وهكذا تعتبر المدرسة الحلقة الأولى في التعليم النظامي المقصود، وحلقة مكملة للتربية الأسرية، وحلقة وصل مهمة بين البيت والمجتمع.

من هنا نجد أن النظرة التقليدية للمؤسسة التعليمية ودورها قد تغيّرت، في ظل تأكيد الكثير من التربويين على أن العملية التربوية لا تتم في المؤسسة التعليمية وحدها، بل في البيت، وفي ميادين العمل، ولذلك نادى هؤلاء التربويون بضرورة تعاون البيت مع المؤسسة التعليمية لتحقيق توجيه الطلاب وتنشئتهم التنشئة السليمة.

ولقد كان للتغيرات السريعة التي شهدها المجتمع المعاصر في مجالات الحياة تأثير في تطور نظرة المجتمع إلى المدرسة، فلم يعد ينظر إلى المدرسة نظرة المجتمع النموذجي المصغر الذي يعمل على تربية الأفراد للمجتمع الأكبر والمأمول مستقبلاً، وإنما أصبحت النظرة إلى المدرسة على أنها جزء من الحياة الحقيقية، ومركز إشعاع وتنوير للمجتمع، وأن "بإمكان المدرسة أن تغير المجتمع إلى حد بعيد، وهو عمل تعجز عنه سائر المؤسسات الاجتماعية"، على حد تعبير جون ديوي.

فلم تعد جهود المدرسة الحديثة مقتصرة على تلقين المعلومات للطلبة، وإعدادهم للامتحانات، كما كان الأمر من قبل، ولكنها تتجه في الوقت الحاضر إلى العناية بنمو التلميذ من جميع نواحيه، العقلية والجسمية والانفعالية والثقافية، وما إلى ذلك من نواحٍ أخرى مرغوب فيها.

ونظراً لقصر الوقت الذي يقضيه التلميذ في المدرسة؛ حيث يمكث بها ساعات قليلة، ويقضي معظم اليوم خارجها في المنزل والبيئة، فإن العوامل الأخرى كالأسرة والمجتمع تشترك مع المدرسة في بناء وتشكيل شخصية التلميذ، ولذا فإن المدرسة لا تستطيع أن تحقق رسالتها إذا بقيت بمعزل عن عوامل التربية الأخرى.

من هذا المنطلق، تميزت عملية التربية بأنها عملية اجتماعية في أساسها ومفهومها وأغراضها ووظائفها، فالمجتمع يمثل المجال، أو الإطار الشامل الذي تتم فيه هذه العملية.

وتؤكد الدراسات التاريخية والاجتماعية وجود صلة وثيقة بين التربية ومجتمعها منذ القدم، وهي صلة تتفاوت قوة وضعفاً وتأثراً، صحةً وسقماً، وذلك لعدة عوامل تكمن في التربية نفسها، أو في مجتمعها.

لذلك ينبغي دراسة تطور نظرة المجتمع إلى المؤسسة التعليمية، ودورها، في ظل تأكيد الكثير من التربويين على أهمية "التكامل بين المدرسة والأسرة"، الأمر الذي يتطلب مراجعة النظام التعليمي بتحليل عناصره المتمثلة في السياسات والأهداف والبرامج والأساليب والممارسات، إضافة إلى البيئات التعليمية وجهود إصلاح التعليم، مع بيان نقاط القوة والضعف، لما من شأنه التعامل مع المستجدات التي طرأت على الساحة السياسية والعامة، وعلى وجه التحديد في أواخر عام 2010م؛ إذ اندلعت موجة عارمة من الاحتجاجات الشعبية في أنحاء متعددة من المنطقة العربية، والتي كان الشباب العنصر الرئيسي فيها، يُطالب بالتغيير والإصلاح السياسي والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد.

وعلى الرغم من الاختلافات بين البلاد العربية من حيث الظروف الاجتماعية والسياسية الضاغطة، فإن الرصد المبدئي لهذه الثورات والحركات الاحتجاجية الشعبية يبين أن ثمة قاسماً مشتركاً بين كل أطياف هذه الثورات والاحتجاجات في إطار دراسة البعد السوسيولوجي لمكونات العلاقة بين المدرسة والأسرة والمجتمع في مجالات "الشباب والمسؤولية الاجتماعية" Youth and Social Responsibility، وأثره في تحديد الخطوط العريضة اللازمة لملء الفراغ الذي يعبر عنه من خلال مآلات ثورات الربيع العربي، التي لا تخلو من آفاق مستقبلية، تتباين فيها وجهات النظر حول الأدوار الوظيفية للقوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، التي دفعت بها الظروف الموضوعية إلى الإسهام في إيجاد حراك اجتماعي وسياسي وتربوي كخطوات استباقية لصناعة الفراغ.

الأمر الذي نتج عنه مجموعة من السياسات الإجرائية الآنية والأدوار الاجتماعية المتعددة، التي قد تمثل محددات أساسية لمرحلة انتقالية يمكن البناء على مدخلاتها ومخرجاتها في صناعة المستقبل المنشود، وعلى ضوء دراسة التغذية الراجعة Feedback للنتائج الأولية للتقييم المرحلي لفلسفة النظام أو الأنظمة القائمة بعد تلك الثورات أو الاحتجاجات الشعبية.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد