التقارب الثلاثي “العربي الكردي التركي”

يمكن القول إن تقارب تركيا والسعودية وأربيل هو السبب الذي يقف خلف انقلاب يوليو/تموز 2016، ورب ضارة نافعة فقد دفع الانقلاب أربيل وأنقرة والرياض لتقارب أكثر، بعد أن أدركوا أنهم مستهدفون بلعبة داعش وماعش التي تتقنها ولاية الفقيه.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/03 الساعة 07:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/03 الساعة 07:17 بتوقيت غرينتش

يعتبر العراق؛ لموقعه وعراقته وعروقه وأعراقه، سُرَّة المشرق العربي وهمزة قطعه وحلقة توازنه وحاجز صدّه، فهو همزة قطع بين تركيا وإيران والخليج، وهو همزة قطع بين الترك والعرب والكرد، وفيه من الأعراق والعروق ما يندر وجودها في غيره.

ومن هنا ربما اختاره الروم والفرس فجعلوه حائط صد، واختاره صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- ففتحوه، وتنازع عليه الصفويون والعثمانيون، وغزاه الإنكليز وتبعهم الأميركان فاحتلوه؛ ليكون نموذجاً للشرق الأوسط الجديد.

واحتلال 2003 قد كسر حلقته توازنه وفتح سرته، وفي ظل غياب تركيا والسعودية عنه انداحت في العراق فوضى نموذج ولاية الفقيه.. ورغم أن نموذج ولاية الفقيه قد فشل حتى الآن في تحديد شكل ودور وطبيعة نموذج عراق ما بعد 2003، فإنه نجح بفوضى بلاد الرافدين أن يهدد استقرار تركيا والسعودية وأربيل، ويمنع أي دور لهما في العراق.

ولم يكتفِ بذلك، بل تسببت فوضاه في إسقاط الموصل في يونيو/حزيران 2014 وصنعاء في سبتمبر/أيلول 2014 لضمان إبقاء أربيل والرياض وأنقرة تحت التهديد، وبهذا فإن أربيل وأنقرة والرياض كانت من أكبر المتضررين من فوضى بلاد الرافدين التي خدمت أجندة ولاية الفقيه.

لكن تركيا كانت قد نجحت قبل سقوط الموصل بيد داعش في ثلاث مهام رئيسية قبل أن تقرر دخول بعشيقة نهاية 2014، فقد نجحت تركيا أن تكون نموذجاً ناجحاً وملهماً لشعوب المنطقة في حل معضلة العلاقة بين الدين والدولة والجيش، فحررت الدولة من الجيش وحررت الدين من الدولة، كما أنها تقاربت مع أربيل في 2008، وأصبحت أربيل منصة ميدانية متقدمة مع تركيا في الشمال ومع السعودية في الجنوب.

ونجح نموذج تركيا بصبر استراتيجي في بناء نموذج تساوم تركي – إيراني، تجاوز به أي صدام محتمل بين البلدين.. وحين استدارت تركيا فدخلت بعشيقة نهاية 2014 رداً على سقوط الموصل، فإن السعودية قد فعلت الأمر ذاته فاستدارت نحو اليمن في مارس/آذار في حين صمدت أربيل أمام الإعصار.

بل إن أردوغان قد صاح بإيران وطلب منها أن تسحب قواتها من العراق وسوريا والمنطقة، وكان ذلك مؤشراً خطيراً دق جرس الإنذار في إيران بأن تركيا قد انتقلت من دولة قوة ناعمة إلى دولة قوة صلبة، وهذا يعني أن خطة إيران في تحييد كردستان وأنقرة والرياض في السنوات الـ13 الماضية عن بغداد قد فشلت، وهو أمر لم تسكت عليه إيران فضرب تركيا زلزال انقلاب يوليو/تموز 2016، ولكن الله سلَّم.

ومن هنا يمكن القول إن تقارب تركيا والسعودية وأربيل هو السبب الذي يقف خلف انقلاب يوليو/تموز 2016، ورب ضارة نافعة فقد دفع الانقلاب أربيل وأنقرة والرياض لتقارب أكثر، بعد أن أدركوا أنهم مستهدفون بلعبة داعش وماعش التي تتقنها ولاية الفقيه.

ويعتبر تقارب العرب والترك والكرد الجديد فعلاً تاريخياً لم يحصل منذ عهد السلاجقة الذين أنهوا فوضى البويهيين، ولعلهم اليوم ينهون فوضى ولاية الفقيه.

وقد أدركت تركيا أنه لا مجال بعد اليوم لتكرّار خطأ قرار برلمانها في الأول من مارس 2003، حين رفضت طلباً أميركياً لمرور قواتها، بل شرعت بدرع الفرات في حلب وتهيئ نفسها لدرع مماثل في الموصل، فيما تستعد السعودية لدرع ثالث في شط العرب.

ودرع دجلة والفرات وشط العرب وصال جغرافي سياسي وفعل جيوسياسي وامتحان تاريخي لهذا التقارب العربي – الكردي – التركي، فإن نجحوا فإن انقلاب ولاية الفقيه بداعش وماعش الذي انتهى بانقلاب يوليو/تموز 2016 قد فشل، وإن فشلوا فإن انقلاب يوليو/تموز 2016 لم يفشل بعد، ولكن التاريخ يقول إن الكتلة التاريخية ضمان للنجاح.

والضمان التاريخي هو أن تفرق العرب والكرد والترك الذي بدأ قبل 100 عام قد انتهى، وعرب الجزيرة الذين ثاروا على الترك قبل مائة عام وأنهوا مع بريطانيا رجل الشرق المريض ذلك اليوم، قد تقاربوا مع الترك والكرد لإزاحة ركام رجل الشرق المريض إيران اليوم.

كما أن النزاع التركي – التركي الذي أبعد تركيا عن العرب بعد 1920، والنزاع العربي – العربي الذي أبعد العرب عن تركيا خلال الحرب الباردة، قد انتهى أو يكاد، فاتحاً الطريق لتقارب تاريخي نادر.

ويبدو أن سر تقارب الأتراك والعرب اليوم هو نفس السبب الذي حدا بمندريس أن يدخل مع العراق وغيره في حلف بغداد قبل انقلاب 1958، وهو نفس السبب الذي دفع توركت أوزال للتحالف مع العرب ضد غزو العراق للكويت بعد 1990، وهو نفس السبب الذي يدفع أردوغان اليوم أن يكررها مرة ثالثة.

وسر مسلسل التقارب هذا هو أن عدنان وأوزال وأردوغان ثلاثي نموذج ديمقراطي متصالح مع شعبه وأمته ودول جواره، وسرّه أن استقرار العراق يخدم تركيا والسعودية وأربيل، في حين أن عدم استقرار العراق يخدم إيران ولاية الفقيه، وقد آن للعبة عدم استقرار العراق بالتقارب الثلاثي العربي – الكردي – التركي أن تنتهي.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد