كانت عيون رفيق الحريري تتكلم

لا ينكر أحد أن لكل حزب خياراته، والحفاظ على مركز قوته مشروط بالقدرة على تحسس المسار، فيختار تموضعه السياسي، حتى يتسنى له البقاء في المسرح السياسي بغية تنفيذ قناعاته وأجندته متسلحاً بمبادئه.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/23 الساعة 03:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/23 الساعة 03:56 بتوقيت غرينتش

تكلمت عيون الرئيس رفيق الحريري حين عاد من دمشق مكسور اليد والخاطر، تقول للبنانيين عموماً، ولأهل طائفته "السُنّة" خصوصاً، أن لا حل ولا ملجأ لي إلا التمديد للرئيس السابق إميل لحود، رجل سوريا الأول في لبنان.

لم يلجأ الرئيس رفيق الحريري إلى عقد مؤتمر يحفظ فيه بضع كلمات عربية فصيحة ليُقنع جمهوره ومناصريه في لبنان، كانت عيون الرئيس رفيق الحريري كافية لإقناع اللبنانيين أن المستبد الديكتاتور المجرم بشار الأسد خيّره بين التمديد أو "تكسير البلد على راسه"، فاختار المرحوم التمديد عسى أن يزيح عن لبنان هاجس الحرب الأهلية.

لا ينكر أحد أن لكل حزب خياراته، والحفاظ على مركز قوته مشروط بالقدرة على تحسس المسار، فيختار تموضعه السياسي، حتى يتسنى له البقاء في المسرح السياسي بغية تنفيذ قناعاته وأجندته متسلحاً بمبادئه.

في لبنان، تتجلى هذه القواعد في أبهى صورها، خصوصاً مع عامل انعكاس تحالفات الدول الإقليمية على الساحة اللبنانية، لكن أن يصل الأمر بالرئيس سعد الحريري أن يرشح ميشال عون، مرشح المحور الإيراني السوري، رئيساً للجمهورية بعد فراغ دام سنتين ونصف السنة، فهذا أمر عجب.

في بداية قراءة تسمية الحريري لـ"عون"، هناك ما يدعو لطرح تساؤلات عجيبة، لا يُمكن الإجابة عليها، إلا بالوقوف سنوات صمت على روح المنطق والموضوعية حتى يأخذ الله روح الرئيس العتيد.

يجوز لحلف 8 آذار أن يفرضوا الأسماء على حلف 14 آذار، وبالأخص تيار المستقبل في تسلم المناصب، ولكن العكس غير مقبول، نقبل بالرئيس تمام سلام كاسم غير صدامي، لا نقبل باللواء أشرف ريفي وزيراً للداخلية، نقبل بالأخير وزيراً للعدل، نقبل بالمشنوق وزيراً للداخلية، أما أن يطرح تيار المستقبل اسم سليمان فرنجية من حلف 8 آذار كمرشح للرئاسة فهذا غير مقبول.

القاعدة التي يفرضها "حزب الله" بسلاحه تقول: نحن نفرض عليكم ونوزع الحقائب، ونعين الرؤساء والوزراء، ولا يحق لكم المثل.

عجيب أمر سعد الحريري، لماذا رفض طرح سمير جعجع حين توافق الأخير مع ميشال عون وسماه رئيساً؟ حينها تنازل سمير جعجع عن الترشيح مقابل توحيد كلمة المسيحيين لملء الشغور الرئاسي، هذه المرّة الثانية التي يطعن فيها حليفه الحكيم على ظهره، الأولى حين عاد إلى دمشق نهاية عام 2009 ليبرم اتفاقاً مع بشار الأسد قاتل أبيه، والثانية برفضه طرح القوات بالتنازل لميشال عون، والمسألتان، عاد الحريري ليخطو ما خطاه الحكيم.

لا يمكن بتاتاً أن تقتنع الطائفة السنية بميشال عون رئيساً في قصر بعبدا، التراكم التاريخي لهذا الرجل كفيل باعتباره اسماً استفزازياً للساحة السنية.

دون العودة لتاريخ الحرب الأهلية، فلكل اسم مطروح تجاوزاته وجرائمه وفظاعاته، إنما حصر مواقف عون لبضع سنوات سابقة سيجعل المتابع في حيرة من أمره.

هل نسي السُّني أن ميشال عون اتهم الرئيس رفيق الحريري بإفقار لبنان وطالب بمحاكمته في قبره وقطع لابنه سعد الحريري "وان واي تيكت"، مؤكداً أنه ضمن الحلف الذي يرتكب الجرائم السياسية؟

هل نسي السُّني أن ميشال عون هاجم المملكة العربية السعودية ودعا أنصاره للتهجم على شخص خادم الحرمين الشريفين؟

هل نسي السُّني أن ميشال عون اتهم الطائفة بممثليها مع فريق 14 آذار بالخيانة والتبعية للخارج ودعمهم لحرب ضد حزب الله؟

هل نسي السُّني أن ميشال عون الموتور قد تجرأ بالتشكيك بالمعونات المقدمة من دول مجلس التعاون الخليجي، وأن هدف "البترودولار" هو شراء المجتمع اللبناني عامة والمسيحي خاصة؟

هل نسي السُّني أن ميشال عون قد قذف وشتم وسب الطائفة السنية بأكملها معتبرا أنهم "حيوانات ومن دون جذور وعشاق مال ومتطرفين جداً"؟
هل نسي السُّني أن ميشال عون دعا مناصريه لاتهام الرئيس تمام سلام بأنه "داعشي" وأن "القرد يمكنه أن يلبس كرافات"؟

هل نسي السُّني أن ميشال عون أخذ على عاتقه الدفاع عن جرائم "حزب الله" يوم 7 مايو سياسياً، معتبراً أن "الأمور عادت إلى نصابها"؟
هل نسي السُّني أن ميشال عون مرشح فريق مجرمين أمثال ميشال سماحة وجميل السيد ووئام وهاب وغيرهم؟

هل نسي السُّني أن ميشال عون مرشح الحزب الذي اغتال الرئيس رفيق الحريري وكافة زعماء ثورة الأرز؟!

هل نسي السُّني أن ميشال عون هدد اللواء وسام الحسن بـ"التفحيم" فقُتِل الأخير بعدها بأسابيع؟

لا يمكن تصور ما أقدم عليه سعد الحريري إلا أنه قد قرأ نتائج الانتخابات البلدية جيداً، وعلم أن الطريق التي ورثها عن أبيه للوصول إلى رئاسة الوزراء لم تعد ببركة فوزه في الانتخابات النيابية وتكوينه لأكبر كتلة نيابية، فاختار طريق الرؤساء عمر كرامي وسليم الحص ونجيب ميقاتي، أن تموضعه مع المحور الإيراني كفيل بإيصاله إلى منصب رئاسة الوزراء طالما أن شعبيته أصبحت في الحضيض، ولم يستطِع بعد الإخفاقات المتتالية أن يفرض نفسه زعيماً سنياً أوحد في لبنان.

أما أن يدّعي أنه توصل مع ميشال عون إلى أرضية مشتركة بالحفاظ على النظام اللبناني، فهذا كذب في وضح النهار، الأخير أبرم اتفاقاً مع حزب الله بالحفاظ على سلاحه غير الشرعي، فكيف يستطيع إقناع الشعب بأنه يريد الحفاظ على النظام والشرعية والمؤسسات؟!

سعد الحريري في كل استحقاق يحاضر في العفة والتضحية مقابل الحفاظ على لبنان، وأنه مخير كما خيّروا أباه سابقاً "إما الدمار أو التنازل"، فالسؤال: "ما هو سقف التنازلات التي يقبل بها سعد الحريري في ظل تهديد السلاح للحفاظ على الدولة والعيش المشترك؟"، أم أنه يظن في جمهوره، لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها؟ الجواب في الانتخابات النيابية المقبلة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد