خدعوك فقالوا المخدرات آفة العصر. والحقيقة أن آفة العصر "الحريم". بل إنني -ومع قليل من التردد- أوشك أن أُقسم أن الحريم هنّ آفة كل العصور.
المأزق الظاهر مع هذه المفردة أنها لا تمتلك الدلالة ذاتها لدى جميع العرب، أما المأزق المُغيّب معها أنها تمثل الفئة الوحيدة من البشر القادرة على الانعطاف بالتاريخ ليُيَمم وجهه صوب الارتطام دون مقاومة. هكذا؛ تسوقه مباشرة نحو الجدار دون أن يفطن أحد لوجودها، دون أن يلتفت أحد لدورها أو لأدواتها.
المفارقة المضحكة التي قد تغنينا عن استدعاء التاريخ أو تجاهله، هي ما استوقفني حين قمت بتجزيء تلك المفردة، تنبهت بأن أولها "حر" وآخرها "يم"، أنى تعاملت معها فهي بمجملها سيئة، يمينها يُبشر بلفح جهنم، ويسارها يوحي بغرق يكتم الأنفاس.
على أية حال، في الجزيرة العربية لا يتم التعامل مع هذه المفردة بحساسية كما في مصر أو الشام، إذ ما زالت تستخدم للدلالة على النساء عموماً بغض النظر عن أي تصنيف أخلاقي أو اجتماعي لهؤلاء النساء.
لكن الشيء الذي لم يتغير بتغير الجغرافيا، النظرية التي أثبتها التاريخ بأن ليست كل النساء حريماً، ولكن كل الحريم نساء. تُفهم هذه النظرية أكثر بالتطبيق، وأول تطبيقاتها أن درجة سرور المرأة بهذه النظرية أو درجة غضبها منها هي ما سيساعد على التصنيف العقلي الدقيق للمرأة.
وجهة نظري الشخصية أن الحريم كارثة على البشرية، والضرر الذي تسببن به للرجال لا يكاد يذكر قياساً بالكوارث التي أحدثنها للبشرية ككل في الأرض.
من يظن بأنني تطرفت في هذا الظن فليبحث في التاريخ، سيجد حضوراً جيداً للحريم في كل نكسة تاريخية ألمّت بشخص ما أو دولة ما في أي حقبة زمنية من التاريخ.
حتى على المستوى الضيّق فالأضيق كالعلاقات والأحداث داخل الحي أو الأسرة الواحدة، نجد للحريم الدور الفاعل والأكبر في تشكيل أي نكبة تحط على رؤوس الأفراد الذين جمعهم سوء حظهم مع "حرمة" ما أو عدة حريم. لا فرق، فوجود واحدة منهن في محيطك كفيل بأن يعرّضك لنكبة من حيث لا يخطر على قلب بشر.
أُسَر كثيرة مترابطة قطعّت الحريم أوصالها، تكتلات عدة حطمت الحريم أعمدتها، دُول دُمرت وأهين تاريخها حين استسلم قادتها بغباء "لزن" الحريم، وسمحوا أن تُدار بلادهم عبر رغبات الحريم البليدة، فأُطيح بهم ولحق العار بأسمائهم وانقضّت وسائل الإعلام عليهم بضراوة ممزقة لكيانهم.
هم لم يكونوا ضحية للإعلام أو لشعوبهم، في الواقع هم ضحايا رؤيتهم القاصرة، ضحايا التفكير الذي جعلهم يسلمون تاريخهم لمن أثبتت تصرفاته بأنه غير مؤهل لإدارة منظومة من عشرة أفراد، فكيف له أن يمتلك قدرة على تسيير وحماية دولة بملايين الأفراد.
وإن قبلنا جدلاً بكونهم ضحايا؛ فهم ضحايا للحريم وكيد الحريم وعمى بصيرة الحريم.
هكذا هنّ الحريم، لا يدركن حجم الكارثة التي يتسببن بها إلا بعد أن يتحول المكان بأيديهن إلى خرائب.
طريقتهن في التفكير واحدة، وهي بالمناسبة طريقة لا علاقة لها مطلقاً بالمستوى العلمي أو الاجتماعي للمرأة، وأن تحاول فهمها، فهو شيء صعب للغاية كمحاولتك شرح الطريقة الصحيحة لطهو السمك باستخدام علم اللوغاريتمات.
الطريقة التي صرفت الكثير من الوقت بمحاولة فهمها ولكنني فشلت، ليس لعجز في عقلي وإنما لأن عقول الحريم لا تعمل بطريقة منظمة. وأي محاولة لوضع نمط معين لطريقة عمل تلك العقول في أي موقف ستبوء بالفشل، لأنه لا يوجد نمط تستطيع البناء عليه لتتوقع ردة فعل الحريم. الصفة الأقرب لوصف طريقتهن في التفكير بأنها فوضى خلاّقة.
المشكلة الأهم مع الحريم أنك لن تستطيع أن تحدد ما مشكلتهن الحقيقية!..
هن في الواقع مجموعة متشابكة من المشكلات تداخلت وتقاطعت مع بعضها البعض بصورة بالغة التعقيد، وحتى تحل أي مشكلة منها فأنت مضطر لأن تحل كافة المشكلات الأخرى، هل تقدّر حجم الورطة التي أمامك؟
هذه الورطة تحديداً لن يستطيع أي رجل تقدير حجمها بسهولة، فالرجل عموماً لا يعاني من صنف الحريم، لأن هذا الصنف من النساء يميل للخوف من الرجل بشكل فطري ويستخدم الكيد معه في أخف وأقل صوره، لكنها تتجلى كورطة تسير على قدمين حين يكون التماس مع النساء اللواتي وضعها الله بطريقه على سبيل العقوبة.
الحريم قد يدمرن تاريخ أي رجل أو مؤسسة أو دولة دون أن يقصدن ذلك، فالكوارث التي يتسببن بها هنا تكون ضمن هامش الخطأ المتاح لهن لقطف النصر كما تتخيله عقولهن البليدة.
بهذه المعطيات أصبح من الضروري الآن إعادة تعريف مفردة الحريم بشكل أكثر شمولية.
الحريم؛ نسق فكري أكثر من كونه تصنيفاً للجنس، وبهذا المعنى قد تُوجد دُول حريم أو رجال حريم أو نساء حريم أو فنانين ومفكرون وأدباء وفقهاء أيضاً حريم.
باختصار جامع، كل عقل يفكر بطريقة الحريم هو مثال مناسب لشرح ماهية الحريم!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.