عذراً، ولكن ليس باسمي، أنا المواطن اللبناني الذي عانى الأمرَّين من الحرب الأهلية، ومن تردّي الوضع الاقتصادي، ومن الهجرة، والذي يحلم بوطن سيّد حرّ مستقلّ، وبغد أفضل لجميع أبنائه، ليس باسمي ترشيح العماد عون من قِبل الرئيس الحريري لرئاسة الجمهوريّة.
ليس باسمي خطاب الاستسلام، ولا نبرته التبريريّة العاطفيّة الوجدانيّة المنفعلة التي لا تخلو من التحسّر، والتي لا تتناسب مع دقّة المرحلة، وبرودة حساباتها.
ليس باسمي إسقاط كلّ التابوهات الأخلاقيّة في السياسة اللبنانية، وليس باسمي هذه القفزة في المجهول التي تضع البلد في فم الذئب.
كلّا، ليس باسمي الرضوخ لمنطق تعطيل المؤسسات والبلطجة والابتزاز السياسي وعدم احترام الدستور.
ليس باسمي مكافأة الفريق الذي احترف تعطيل المؤسّسات وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، تارة تحت ذريعة الشراكة، وتارة أخرى بتحوير مفهوم الميثاقيّة، في السنوات العشر الأخيرة.
ليس باسمي تهنئة هذا الفريق على تغيّب العدد الأكبر من نوّابه، لا سيّما كتلتي العماد عون وحزب اللّه، عن 45 جلسة لانتخاب الرئيس في المجلس النيابي، على مدى ما يناهز السنتين والنصف، بهدف عدم توفير نصاب انعقادها.
ليس باسمي ترشيح من عوّدنا على نبش قبور الحرب الأهليّة، أو على طمرها، بحسب أهوائه ومصالحه.
ليس باسمي ترشيح من قصف بيروت الغربية عندما كان قائداً للجيش ودمّرها وحاصرها وقطع عنها الماء والكهرباء، وهجّر أهلها في أعتى حرب عبثيّة سمّاها حرب التحرير.
ليس باسمي ترشيح من أعاد الكرّة بعد أشهر قليلة، ولكن في المناطق الشرقيّة، في حرب الإلغاء الكارثيّة التي كلّفت المجتمع المسيحي أكثر من 400 ألف مهاجر، ولا تعنيني لا ورقات نيات شكليّة، ولا ما شاكلها من تفاهمات.
ليس باسمي ترشيح من رفض اتفاق الطائف، وحلّ مجلس النوّاب، ومن اعتدى مناصروه على البطريرك صفير، ليس باسمي ترشيح من ضيّق على الحريّات، ومنع في مناطق سيطرته العسكريّة توزيع بعض الصحف الصادرة في الشطر الآخر من العاصمة.
ليس باسمي ترشيح من ترك جيشه يقاتل وهرب ليلتجئ إلى السفارة الفرنسية في 13 أكتوبر/تشرين الأول 1990.
ليس باسمي ترشيح من يتناسى جرائم الحرب التي وقعت بحقّ العسكريين والمدنيين عند دخول الجيش السوري إلى المناطق الشرقية في هذا اليوم المشؤوم، لا بل لا يرى حائلاً دون التحالف مع منفذّيها.
ليس باسمي ترشيح من دأب على شيطنة الطائفة السنيّة واحتقار أبنائها، ونعتها بالبيئة الحاضنة للإرهاب، واتهام قيادتها حصراً بسرقة أموال خزينة الدولة، والتشفّي من شهدائها السياسيّين والأمنيّين بعد عودته من المنفى بالتفاهم مع نظام الاحتلال السوري، على الرغم من أن هذه العودة ما كانت لتحصل لولا دماء زعيم السنّة رفيق الحريري.
ليس باسمي ترشيح من يحاول الآن ذرّ الرماد في العيون بكلام معسول وشهادات حسن سلوك لا تخلو من الكذب والنفاق الذي لا ينطلي على أحد.
ليس باسمي ترشيح أحد أبرز منظّري ومنفّذي تحالف الأقليّات.
كلّا، ليس باسمي ترشيح من يبني شعبيّته على التقوقع الطائفي وعلى التخويف من الآخر، وعلى العنصريّة، لا سيّما ضدّ اللاجئين.
ليس باسمي ترشيح من يلتزم بورقة تفاهم يؤمّن بموجبها غطاء سياسيّاً لأكبر ميليشيا طائفية في الشرق الأوسط "حزب اللّه".
ليس باسمي ترشيح من هلّل عند اجتياح حزب اللّه لبيروت والجبل في 7 مايو/أيار 2008.
ليس باسمي ترشيح من الذي تُطبّق سياسته حاليّاً في وزارة الخارجية فتعزل لبنان تدريجياً عن محيطه العربي، وتحوّله إلى حصان طروادة لإيران في جامعة الدول العربية ومنظّمة التعاون الإسلامي.
ليس باسمي ترشيح من لا يحارب طواحين الفساد إلّا لفظيّاً، في حين أنّه حوّل واقعياً إدارات الدولة التي سيطر عليها إلى مواقع منفعة ونفوذ لأقربائه وحاشيته ومناصريه.
ليس باسمي ترشيح من عاير سعد الحريري وشمت به علناً عندما اضطر إلى مغادرة لبنان بسبب تهديد حياته، إثر إسقاط حكومته بعد ضرب اتفاق الدوحة بعرض الحائط.
ليس باسمي المتاجرة بالشهداء وبدماء الشهداء عند كلّ التفاف على المبادئ وخروج عنها، فالأكيد أنّ رفيق الحريري وسائر شهداء ثورة الأرز لم يموتوا كي يصبح النائب ميشال عون رئيساً للجمهوريّة.
أهكذا يكون الوفاء -وبالمناسبة هو مفهوم إقطاعي في السياسة- الذي شنّف تيّار المستقبل آذاننا به على أثر نتائجه السلبيّة في الانتخابات البلدية في الماضي؟ هل تكريس حالة شعبوية استفزازية برئاسة الجمهورية هو خيار مسؤول؟ أبهذه الطريقة نكون قد حافظنا على البلد واقتصاده وتفادينا حرباً أهلية لأننّا أمّ الصبي؟
كفانا في هذا البلد أن ندفع ثمن عدم شجاعة البعض ودأبهم على الخضوع والانبطاح والزحف أمام السلاح والعرقلة والتهديد، كفانا أن ندفع غالياً، وفي أحلك الظروف التي يمرّ بها الإقليم، ثمن فشل وارتجال وعدم تبصّر وتهوّر هواة سياسة لا يهمّهم -مهما حاولوا إقناعنا بالعكس وتزيين الهزيمة تحت مسمّى التضحية- إلّا مصالحهم الشخصية وتعويمهم بتفاهمات تعيدهم -في حال صدقت- إلى السلطة.
سكتنا وعضضنا على الجرح مطوّلاً، وتحمّلنا خيبات الأمل برحابة صدر استثنائيّة على مدى 10 سنوات، ولكن هذه المرّة قد طفح كيل التنازلات.
وجود لبنان وسيادة دولته وحريّة شعبه على المحكّ…مَن لا يستطيع تحمّل أعباء القيادة، فليتنحّ وليفسح المجال لغيره.
كلّا، لم يعد ينفع كلّ التطبيل والتزمير والرياء والمداهنة والنفاق والتبخير الذي نشهده مباشرة بعد كلّ تنازل -على وسائل التواصل أو برفع اليافطات في الشوارع- من قِبل المناصرين والمنتفعين.
الطائفة السنية لا تخلو من الكفاءات، والانتخابات النيابية القادمة -لو مهما تمّ تأجيلها- لا بدّ أن تحصل يوماً ما، وعندها يجب أن تفرز قيادات جديدة، إن شاء اللّه.
مبروك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.