كانوا دائماً ما يقولون إن تلك فترة كاشفة ستعري الجميع، ولن تترك كبيراً أو صغيراً إلا وكشفت كل حقائقه، ومحت كل زيف، ولكن العجيب أن معظم من كانوا يقولون إنها فترة التمحيص هم أول من كُشفوا.
التمحيصُ قبل التمكين
البلاء نوعان: تارةً يكون تمحيصاً واختباراً، وتارة أخرى يكون عقاباً، فإذا ابتلاك الله بمرض تظن حينها أن الله يعاقبك، أو تنظر بنظرةٍ أفضل أن الله ابتلاك؛ ليرفع أجرك وقدرك ويختبر صبرك.
مثلاً: "فَلَمَّا آسَفُونَا انتقمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ" كانتقام الله من قوم نوحٍ ولوط، وهذه بالطبع عقوبة، أما التمحيص فإنه رحمة مؤجلة وآلم وقتي يذهب سريعاً حينما نرى رحمة البلاء في النهاية.
التمحيص هو سُنة خاصة بالمؤمنين، وهكذا اقتضت حكمة الله -عز وجل- وعدله في حكمه؛ ليتبين لنا الخبيث من الطيب، الكاذب من الصادق، المؤمن من الكافر.
عين على الواقع
الاعتراف بالأزمات قد يعالجها وقد يزيدها تعقيداً، وهذا ما حدث لدى الإسلاميين في مصر بشكل عام، عقب الانقلاب العسكري بعامين تقريباً، منذ بداية أزمة الإخوان، ثم عداء عاصم عبد الماجد ونقده للإخوان، وأزمة استقالات المجلس الثوري المصري الذي استكملوه بعد فترة، والكثير من الأزمات، وهذا يوضح سيطرة الإخوان مسبقاً على المشهد بالكامل، بالنسبة للإسلاميين وبعض ممن ليسوا لديهم ميول إسلامية.
تتفق الجماعات الإسلامية في مصر كلها في الآتي:
الأولى: أهمية النقد والإصلاح، لكنهم لا يطبقون ذلك على أنفسهم، فالناقد للإسلاميين أو المهتم بشؤونهم هو بين ثلاث: إما أصبح علمانياً على يد أحدهم، أو لديه إحدى الأجندات الأجنبية، أو ممول من جهة ما.
الثانية: أدوار الشباب في بناءِ الأمم، لكنهم لا يعطون لشبابهم منصباً، فالشباب يلعنون قادتهم ليل نهار.
الثالثة: التمويل من الجهات المخابراتية محرم وخيانة؛ لأنه يفرض عليهم سياسات معينة، ولكن كلهم وبلا استثناء يمولون من حكومات عربية وأجنبية.
الرابعة: تداول القيادة -والحمد لله- لم نرَ قيادة تغيرت في صفوف الإسلاميين جميعاً أو أغلبهم.
الخامسة: الابتعاد عن تقديس الأشخاص، والأشخاص لديهم أنبياء إذا انتقدهم أحدنا فقد كفر.
السادسة: الابتعاد عن المظاهر، وهذه بالفعل موجودة.
السابعة: أن لديهم رؤية متفقاً عليها، والواضح هو انعدامها.
وغير ما ذكرته الكثير مما يقولون، والواضح أمامنا أن كل شيء هو كذب واضح وصريح.
لدينا تجربة في مصر لن أتحدث فيها عما سبق الانقلاب العسكري في مصر، ولكن فيما بعد اعتصام الناس في رابعة، وقيل لهم إن الجيش معنا ولن يحدث انقلاب عسكري، وصدم الجميع في الثالث من يوليو/تموز، وقيل لهم إن هناك قادة ما زالوا معنا، وإن رجالنا في الجيش سينهون الموضوع في أقل من أسبوعين، ولم يحدث، ثم فوجئنا جميعاً بفض الاعتصام الدموي، حسب الوصف وقتها، ظناً منا أنهم كانوا سيرفقون بنا ويقتلون عدداً قليلاً، وسننتصر عليهم، لكن الحقيقة جاءت على عكس ذلك، ثم نزلنا في رمسيس بعد يومين، فقتل عدد كبير أيضاً.
اسأل نفسك على غرار هذا: ألم يكن كم هذا التضليل كافياً لكل ما حدث؟ ألم يكن تصديقنا لكل هذا الهراء وإيماننا به كافياً لأن يحدث كل هذا؟ اسأل نفسك: ألم نكن أغبياء؟ إذا كان القائد غبياً فالتابع أشد غباء!
المضلل قد يكون أشد ذنباً من القاتل؛ لأنه يعلم طبيعة شخص القاتل ومع ذلك أصر على الضلال بالناس، فقتلهم القاتل بناء على ضلاله أو غبائه أو كما شئت، ضع وصفاً يناسب، وكما كنا نقول دائماً إنه لولا العساكر ما قتلوا، فلولا قيادات الإسلاميين أيضاً ما قتلوا.
انكشف لنا في هذه الفترة الكثير من التفاصيل التي لم تتضح كلها بعد إلى الآن، ولكن بعضاً منها كافٍ لإغراق التنظيمات والأشخاص وهلاك الجميع، ومع ذلك ما زالت هناك فرصة أن نثور على كل خطأ بالقوة أو بغير القوة، ورغم ذلك جميعنا ما زال يريد التنظيمات الإسلامية حية حتى لا تموت الفكرة الإسلامية.
وأخيراً.. كل شيء إلى زوال، الخلافة الإسلامية انتهت، وكل كيانات الماضي انتهت، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.