قراءة للهدنة الروسية في حلب

ومع اقتراب موعد الهدنة المفترضة، لم يصدر عن الفصائل حتى اللحظة ما يشي بالموافقة عليها، رغم التصريح اللافت لوزير الخارجية التركي بضرورة مغادرة مقاتلي فتح الشام لمدينة حلب، وهو ما يُرجح حصول الهدنة من جانب واحد.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/20 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/20 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش

أعلن الجيش الروسي، عقب اجتماع لوزان، عن هدنة اليوم الخميس لمدة إحدى عشرة ساعة في مدينة حلب تعلق خلالها الغارات على المدينة من قبل روسيا والنظام، على أن يتم خلالها انسحاب جبهة فتح الشام إلى إدلب.

وفي محاولة لتفسير النية الروسية المبيتة من هذه الهدنة المعلنة من جانب واحد فقط والتي لم يصدر عن الفصائل حتى اللحظة أي بيان حولها، يمكن طرح عدة أفكار، من بينها شعور الجانب الروسي بعزم الولايات المتحدة على اتخاذ تدبير معين ضد سلسلة الجرائم التي تسببت بها الغارات الروسية على أحياء حلب الشرقية، ولمنع وصول الأمور إلى حافة الانفجار، وللتشويش على رد الفعل العسكري المرتقب من جهة المعارضة تم عرض هذه المناورة، وكمناورة مؤقتة تمهيداً لعمليات استهداف واسعة. فليس من المحتمل وفقاً لقراءة سلوك موسكو في الهدن السابقة التزاماً روسياً بوقف الأعمال القتالية في حال خروج مقاتلي فتح الشام من حلب وتحقق الفرز الذي تطلبه موسكو بينهم وبين قوات المعارضة، حيث يمكن لروسيا أن تستأنف أعمالها القتالية، مستفيدة من الخلافات المحتمل حدوثها وسط مقاتلي المعارضة المطالَبين بعزل أنفسهم عن فتح الشام وخروج بعض المدنيين عبر ستة ممرات سيتم تخصيصها لأجلهم.

ومن زاوية أخرى يمكن النظر إلى إعلان الهدنة كإجراء تكتيكي يهدف إلى استغلال الهدنة من الجانب الروسي لإعادة ترتيب الصفوف والتجهيز لخطة اجتياح بري وإحداث بلبلة في صفوف الثوار وداعميهم وإظهار حسن النوايا الروسية، خصوصاً في ظل تصاعد الانتقادات الغربية للجرائم التي يرتكبها الطيران الروسي في حلب والتلويح بفرض عقوبات.

ومع اقتراب موعد الهدنة المفترضة، لم يصدر عن الفصائل حتى اللحظة ما يشي بالموافقة عليها، رغم التصريح اللافت لوزير الخارجية التركي بضرورة مغادرة مقاتلي فتح الشام لمدينة حلب، وهو ما يُرجح حصول الهدنة من جانب واحد.

من الواضح أن قوات المعارضة قد حسمت أمرها بعدم الاستجابة لدعوات الانسحاب وبالصمود انتظاراً لتوفر الظروف المناسبة محلياً أو إقليمياً ودولياً لأجل إنجاح خطط فك الحصار عن الأحياء الشرقية.

ومن بين أهم التغيرات الدولية المنتظرة رهان المعارضة السورية على تغيير الإدارة الأميركية الجديدة بعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لطريقة تعاطيها مع الملف السوري وتعديل مقاربتها باتجاه سياسة أكثر تدخلية ودعماً للفصائل، غير أنه رهان محفوف بالمخاطر بالنظر إلى انشغال الرئيس الأميركي المقبل في العام الأول من ولايته الرئاسية بالملفات الداخلية على حساب المسائل الخارجية وبالنظر إلى تبلور نزعة انكفائية في السياسة الخارجية الأميركية.

في حال تم العمل بالهدنة من الجانب الروسي سيتوجب على المعارضة الاستفادة من ساعات الهدنة إلى أكبر درجة ممكنة ابتداءً من إخراج الجرحى من المدنيين والمقاتلين مروراً بتخزين المؤن الغذائية وانتهاءً بتعزيز وسائل وأدوات الصمود العسكري في المدينة مع اتباع سياسة التصريحات المدروسة لسحب الذريعة من طرف النظام وحليفته روسيا، على أن يرافق ذلك تعاون فعال مع الواجهة السياسية (الائتلاف الوطني وهيئة التفاوض) لتنسيق المواقف وإعداد الخطط الكفيلة بإظهار المعارضة بشقيها السياسي والعسكري ككل متحد، حيث يخشى من قيام روسيا بعد انتهاء الهدنة بعمليات قصف عنيفة جداً بحجة أنها أبرأت ذمتها وأعطت الطرف المقابل فرصة للنجاة، وبذلك تكون الهدنة ليست سوى محاولة لذر الرماد في العيون.

وفي السياق ذاته لا بد من الأخذ بعين الاعتبار واقع حال الأهالي ومدى تماسكهم وقدرتهم على الصمود والمقاومة، ونزع فتيل أي خلاف من شأنه إضعاف الحاضنة الشعبية للمعارضة المسلحة.

في غضون ذلك ينبغي ألا يغيب عن بالنا تزامن قصف حلب وعرض الهدنة مع مواصلة النظام لسياسة التهجير الديموغرافي القسري التي ينفذها بحق الجيوب الثورية الموجودة في الظهير الغربي لمدينة دمشق المتصل بلبنان؛ حيث مناطق نفوذ حزب الله وخطوط إمداده المتصلة بالعراق فإيران، فلقد بدأت صباح الأربعاء أول دفعة من الأهالي الخارجين من مدينة المعضمية جنوب غرب دمشق باتجاه إدلب، وسبق ذلك بأيام وصول الدفعة الأولى من مهجري قدسيا والهامة شمال غرب دمشق إلى إدلب أيضاً.

يهدف هذا التزامن إلى إشغال قوى المعارضة بصدّ القصف الوحشي بالقنابل العنقودية والصواريخ الارتجاجية على المستشفيات والأطقم الطبية والمباني السكنية، ريثما يتم استكمال خطوات التهجير الرامية لصياغة "سوريا المفيدة"، في الوقت الذي تجري فيه "صوملة" الشمال واستباحته وتشتيت قواه الثورية وزرع الشقاق بينها، وجعله حقل رمي لأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية الروسية، في استغلال مفضوح لفترة العطالة التي تسبق عادةً الانتخابات الأميركية ولحالة العجز الأوروبي عن الفعل وشلل المنظمات الأممية.

إزاء ذلك يتوجب على المعارضة التحلي بالوعي واليقظة بالمخاطر التي تنطوي عليها حيل النظام وحليفته روسيا لتفويت الفرصة عليهما، والحيلولة دون تحقيق مرادهما من عرض الهدنة المزعومة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد