لا يخلو حديث عن الأوضاع في مصر من جملة "غير مسبوق"، تسمعها من الجميع، حتى صارت لازمة مع كل حديث في أي مجال.
سياسياً:
جاء انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 على حساب تجربة ديمقراطية ناشئة كانت تشق طريقها، فسارع الجيش بوأدها قبل أن ترى النور، الانقلاب الدموي غير مسبوق في تاريخ مصر السياسي والعسكري، رغم أنه لم يكن الأول في مصر، فاستيلاء الجيش على السلطة في سنة 1952 -يمكن تسميته انقلاب قصر حيث بدأ بتولية ابن فاروق الحكم وتشكيل مجلس وصاية على العرش- بانقلاب ناعم "غير دموي"، جاء في ظل أجواء سياسية وشعبية متهيئة لإنهاء حكم الملك، وحازت حركة العسكر وقتها على تأييد شعبي.
اقتصادياً:
الاقتصاد المصري أصبح يعتمد بشكل أساسي على القروض والسلف، وبات من الصعب على الحكومة أن تتدبر الاحتياجات الأساسية للمواطنين لمدة شهر واحد فقط، وإلا تكون الأزمات المتلاحقة كما نشهد في أزمات القمح والسكر والبنزين والغاز وغيرها، كل هذا جاء متزامناً مع سيطرة وتحكم الجيش في الاقتصاد بالكلية، وتدخله كطرف مباشر في سلع كثيرة، كاللحوم والمكرونة وحتى لبن الأطفال، مع تدني قيمة الجنيه المصري "المخطط له" أمام الدولار، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، اشتكى منه القادرون مالياً قبل المعدمين، كل هذا شكل انهياراً اقتصادياً وتضخماً غير مسبوق.
اجتماعياً:
من أسوأ نتائج الانقلاب العسكري إحداثه متعمداً لانقسام مجتمعي حاد بين المصريين وبعضهم، فصار الاختلاف السياسي عداء، ورفض الوضع القائم خيانة، والوقوف ضد حكم الجيش عدم وطنية، حدثت القطيعة بين الأصدقاء والفرقة بين الأسر، في سياق انقسام مجتمعي غير مسبوق.
عدلياً:
لم تشهد المحاكم المصرية عبر تاريخها الطويل مهازل من جانب قضاتها كما الحاصل هذه الأيام، شهدت ساحات المحاكم إعلان بعض القضاة لخصومتهم السياسية ضد المتهمين "ظلماً"، وسبق ذلك اختيار بعض القضاة لقضايا معينة للحكم فيها "مين يحكم على الإخوان؟"، بتعبير نبيل صليب، رئيس محكمة استئناف القاهرة في 2013، صاحب الاختيار، بأداء قضائي هزيل -لا يوصف- لدرجة أن قاضياً يحكم على أكثر من 500 إنسان بالإعدام -قضية المنيا الشهيرة- في أول جلسة محاكمة ودون سماع مرافعة الدفاع ودون تلاوة أسماء المتهمين "ظلماً"، في سوابق قضائية غريبة جداً على القضاء المصري.
الأمر بدأ بمساندة القضاة الرسميين، ممثلين في رئيس المجلس الأعلى للقضاء، للانقلاب العسكري، حينما وقف بجوار السيسي في إعلان انقلابه على الثورة والدستور والشرعية، في مشهد شكل نسفاً لنضال القضاة أنفسهم ضد طغيان مؤسسات الدولة على السلطة القضائية وطلباً لاستقلال القضاء، تماهٍ غير مسبوق مع الظلم والحكم العسكري.
حقوقياً:
عانى -ولا يزال- المجتمع الحقوقي من بطش السلطة لسنوات، وناضل من أجل حرية منظماته، وهكذا المجتمع الحقوقي الحر النزيه الذي يتعاطى مع قضايا حقوق الإنسان بالحيادية ودون تفرقة أو النظر إلى رأي أو معتقد أو اتجاه، الطامة أن نجد حقوقيين يتماهون مع الانقلاب العسكري، ودافع بعضهم عن جرائمه ومذابحه "طالما أنها ضد الخصوم السياسيين لهؤلاء الحقوقيين"، ويُسيرون الوفود للخارج للدفاع عن النظام الحالي، وتجميل وجهه القميء، حتى المجلس القومي لحقوق الإنسان المنوط به الوقوف ضد انتهاكات السلطة للقانون يثبت -أكثر من أي وقت مضى- أنه ربيب السلطة، ولا يجاوز حجرها "إن جاز التعبير"، كل هذا بينما تشهد السجون والمعتقلات قتلاً متعمداً في أوضاع حقوقية غير مسبوقة.
أرض الوطن:
لا شيء أغلى عند المصريين من أرضهم، هذا ما أثبته تاريخهم الطويل في دفع المعتدي وتأديب الخصوم، ويكفي أن كل حروب مصر من أجل أرضها جاءت دفاعاً عنها أو تحريراً لها.
الكارثة أن يتنازل النظام الانقلابي الحالي عن أراض مصرية -جزيرتي تيران وصنافير- التي دفع المصريون الدم ثمناً لاستعادتها من المحتل- مقابل حفنة من الدولارات يحصل عليها لنفسه، كما تنازل عن جزيرة "تشيوس" المصرية "وبدون مقابل هذه المرة"، بالإضافة للتنازل عن حقول غاز مصرية في البحر المتوسط، والتنازل عن حصة مصر التاريخية من مياه النيل، في وقائع تنازل غير مسبوقة، وأقرب للخيانة من الخيال.
تستطيع بكل اطمئنان أن تحكي عن أي شيء في مصر، وتقرنه بـ"غير مسبوق"، الذي أصبح سيد الموقف، وعنواناً لكل شيء في مصر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.