استشراف السلطان قابوس للمستقبل

وقد كانت عمان تواجه آنذاك المدّ الشيوعي كخطر لا يقلّ عن الأخطار المحدقة الآن بعموم دول الخليج العربي، فكان مما ورد في خطاب السلطان قابوس السنوي عام 1972 ما يلي:

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/20 الساعة 02:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/20 الساعة 02:30 بتوقيت غرينتش

يقولون في اللغة العربية رُمَّانَةُ القَبَّانِ "الميزان"، هي: ثِقْل من الحديد ونحوه على شكل الرُّمَّانة، تُحرَّك على قضيب الميزان حتى يعتدل فيقرأ رقم الوزن. أي أنه يُنسب لهذه "الرُّمَّانة" مقدار استواء الميزان ومدى صحّة القراءة الناتجة عنه، والمحافظة عليه من الميلان، لكن في فسحة اللغة العربية واتساعها البلاغي، مضى تعبير "رمّانة الميزان" وصفاً جميلاً للحكمة والاتزان في السلوك وله دلالة مدح بلاغية على الممارسة العادلة والمتأنية، يمكن أن توصف به شخصيات مثلما تُنعت به جماعات ودول.

ولعلّ جلالة السلطان قابوس هو من أكثر القيادات العربية التي يُنظر إليها بالفعل كرمّانة للميزان؛ حيث صبغ سياسة سلطنة عمان وفق هذه الدلالة، وجعل منها مثل المعادلة السياسية التي يصعب اختراقها أو تغيير موقفها.

ومهما تباينت ردود الفعل -وأحياناً الاتهامات- حول توجهاتها، فإنه في نهاية الأمر يُستبان للمتابعين أن سياسة السلطان هي الحرص على أن تبقى سلطنته على مسافة واحدة من الجميع، لا تفرّط في ثوابتها، ولا تشطّ في علاقاتها، الحكمة والأناة، والاستقلالية ومصلحتها هي منطلق قراراتها ومواقفها.

فما من مصالحة أو تهدئة منازعات أو تطييب خواطر أو تجنيب مخاطر أو إعادة علاقات بين دول الخليج العربي بسبب خلافات حدودية أو سياسية أو ما شابهها، إلاّ وكان لجلالة السلطان قابوس يدٌ -إن لم تكن اليد الطولى- في تحقيقه وإعادة المياه إلى مجاريها الطبيعية، حفظاً للأخوة وتماسكاً للُّحمة الخليجية، وإبعادها عن مهالك التفرّق والتشظّي.

ومما يُحسب لجلالة السلطان قابوس أنه منذ السبعينات -ربما- كان من أوائل وأقدم الذين دقّوا ناقوس الخطر، ووجهوا دعوة خالصة لوحدة الصف الخليجي، استشرافاً لمخاطر جمّة ستواجه هذه الدول في مستقبل سنينهم والقادم من أيامهم.

وقد كانت عمان تواجه آنذاك المدّ الشيوعي كخطر لا يقلّ عن الأخطار المحدقة الآن بعموم دول الخليج العربي، فكان مما ورد في خطاب السلطان قابوس السنوي عام 1972 ما يلي:

"وقد اتضح من خلال بيانات وتصريحات ما يسمى بالجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي، أن عمان ليست هدفاً في حد ذاتها، وإنما هي الباب أو المنفذ الذي تصوّر لهم أوهامهم اقتحامه إلى سائر دول المنطقة لإغراقها في بحر من الدماء والتخريب والفوضى والفقر والإلحاد والسلب والنهب وانتهاك الأعراض.
نعجب لأولئك الذين يحسنون الظن بالشيوعيين وللمتهاونين الذين تخدعهم الشعارات الشيوعية فيتيحون لهم الفرص للاستفادة بها واستغلالها لإشاعة البلبلة والاضطراب، وللمخدوعين الذين يقللون من الخطر الشيوعي وأنه بعيد منهم".

ومن يتمعن في هذا الخطاب لا يملك إلا أن يقول: ما أشبه الليلة بالبارحة.

على أن السلطان قابوس قد ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وطرح آنذاك مبادرة قيّمة أحسب أنه آن أوان التحسّر على عدم الأخذ بها وتنفيذها، كان عنوان مبادرة جلالته "أن الحفاظ على أمن المنطقة هو مسؤولية شعوب المنطقة كلها"؛ حيث شهدت القمة الثانية عشرة لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي انعقدت في دولة الكويت الشقيقة بتاريخ 23 ديسمبر/كانون الأول 1991م تقديم جلالة السلطان قابوس تقريراً استراتيجياً متضمناً اقتراحه بإنشاء جيش خليجي موحد ومستقل قوامه مائة ألف جندي، تتداول دوله قيادته، ويكون حصناً ذاتياً ومنيعاً لصدّ أي تهديدات أو عدوان على دوله.

حفظ الله سلطنة عمان، وأدام على جلالة السلطان قابوس الصحة والعافية.

سانحة:
من أجمل بيوت الشعر عند العرب:

إذَا امتَلأت كَف اللَّئيَمِ مِنَ الغِنَى ** تمَايلَ إعْجَاباً وقَال أنَا أنَا
‏ولكن كَرِيم الأصْلِ كَالغصْن كُلَّمَا ** تَحمَّلَ أثْمَاراً تَواضَع َوانْحَنى

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد