بعد سنتين من تسليم الموصل لداعش من قبل المالكي، أعلن العبادي انطلاق معركة الموصل الأميركية اللون والطعم والرائحة. وتمهيداً لتحرير الموصل، اجتمعت حول الموصل دول وحشود لم يُر مثلها ربما سوى حول برلين في الحرب العالمية الثانية، وحول الكويت بعد غزو صدام لها في 1990.
ولأجل المعركة استقبلت بغداد قبل أسبوعين مسعود البارزاني، رئيس إقليم كُردستان، وعقدت معها برعاية أميركية اتفاقاً تقاسمت معه خطة المعركة وخطة اليوم التالي بعد داعش هناك.
كما استقبلت بغداد أمس، ولنفس الغرض، وبعد تصعيد وتصعيد مقابل بين أنقرة وبغداد، وفداً تركياً وسيتبعه وفد عراقي يزور أنقرة غداً. وفيما استعدت عواصم العالم والمنطقة، غابت مظاهر استعدادات العرب السنة، رموزاً وجمهوراً، عن استقبال عهد ما بعد داعش، سوى بحشد وطني مدعوم من تركيا، بل أضافت معركة الموصل لسنة العراق انقساماً آخر يشبه انقسام سنة لبنان. فالطرفان ينتظران معركة حلب والموصل لعلها تغير من ميزان القوى، ومن هنا يتوقع بعضهم أن هناك بعض الأمل فيما يتوقع فريق آخر العكس. فيرفع المتفائلون من سنة العراق صوتهم سراً وجهراً لتأييد تدخل عربي وتركي لتغيير المعادلة ووقف لعبة داعش وماعش الإيرانية.
والمتشائمون يتوقعون الأسوأ فيلتزمون الصمت، ويدعون له، خوفاً من بطش الميليشيات إن رفعوا صوتهم بدعم موقف تركيا والسعودية من معركة الموصل.
والموقف الأخير يخدم أجندة الميليشيات في العراق ولبنان، وهي تستخدم معهم الترهيب والترغيب ليزدادوا صمتاً ويشجعوا أقرانهم على الصمت.
ويبررون لك أن أميركا وإيران ضد السنة، وأن تركيا والسعودية لن تفعلا شيئاً، وأن المعادلة لن تتغير.
وهكذا هو حال المستضعفين اليوم في الأرض وقد كانوا أهل نخيل طوال وإمبراطوريات تاريخية عظيمة، والأثقل وزناً عبر تاريخ المنطقة.
ودار الزمان بالسنة العرب وكثر القتل فيهم، ليس لأنهم سنة، بل ربما لأنهم لا يملكون من معنى السنة إلا القشور، وهم في واد وسنة الله الجارية في الحياة وسنة النبي صلى الله عليه وسلم في واد آخر، فهل لهم من مخرج؟
وقد يعود عدم استعداد العرب السنة لمعركة نينوى وما بعدها، لأن سنوات عراق ما بعد 2003 قد أكلتهم لحماً ورمتهم عظماً، وغدوا بين تجارب مشاركة فاشلة للعملية السياسية ومعارضة أشد فشلاً.
وبعيداً عن تنظير المعارضين لعراق ما قبل 2003، والنتائج الكارثية لتشتت العرب السنة بعد 2003، فإن تجربة المشاركين المرة بعد 2003 تستحق أن نتوقف عندها.
لقد أثبتت تجربة التوافق 2006-2010 والعراقية 2010-2014 واتحاد القوى 2014 إلى اليوم، في ظل غياب العرب عن العراق وإصرار ولاية فقيه إيران على تدجين كل التجارب تحت سقف مشروعها، فشلت هذه التجارب جميعاً، وانتقل العرب السنة من تجربة سيئة إلى تجربة أسوأ.
وبات من العبث أن يستمر العرب السنة على نفس المنوال، وأن يدخلوا في مخاض تجربة رابعة بعد التوافق والعراقية واتحاد القوى تحت نفس السقف الإيراني، ودون إحداث نقلة في واقع العرب السنة من حال إلى آخر، فإن رحيل داعش سيأتي بداعش أشرس مثلما أن رحيل القاعدة في 2007 دون نقلة مختلفة قد جاء بداعش في 2013.
ولا يمكن لأي نقلة أن تحدث فرقاً في واقع العرب السنة دون رفع يد إيران وتفكيك ميليشياتها وإعادة النازحين وإصلاح خراب محافظاتهم وإجراء انتخابات لمحافظات العرب السنة تحت رعاية أممية.
ومن هنا، فإن معركة طرد داعش من الموصل وما قبلها ستشبه مرحلة طرد القاعدة في 2007، إن لم تتغير المعادلة؟ فكيف يمكن تغيير المعادلة؟
وليس من اختصاص هذا المقال أن يتحدث عن إصلاح قد يجري في بغداد يدمج العرب السنة في العملية السياسية، ولا عن انتخابات برلمانية قد تجري في 2018 أو تؤجل، ولا عن كتلة عابرة للطائفية، لأن التعويل على ذلك دون ضمانات دولية ملموسة قد يكون ضرباً من الوهم الذي قد يسوقنا من جديد إلى تجربة رابعة فاشلة.
وسيبقى خيار التعويل على إصلاح في بغداد على الطاولة لحين ترتيب أوراق محافظات العرب السنة كما رتب الكرد أوراقهم قبل 2003، فقد سبق الكرد العرب السنة والشيعة في ترتيب أوراقهم دولياً قبل 2003.
وحاز الكرد اعترافاً دولياً معتبراً بعد 2003 وأصبح لهم إقليمهم وعاصمتهم وبرلمانهم وحكومتهم المحلية، ورغم محاولة بغداد تعطيل الدستور بعد 2007، وحصار إقليم كردستان ليستسلم لإرادة بغداد القريبة من طهران، إلا أن أربيل صمدت بقربها من أنقرة، ولأربيل اليوم يد موازية ليد بغداد في الموصل وباتفاق مضمون دولياً.
وسيقود طريق معركة الموصل، كما توضح وقائع أول يومين من معركة الموصل، بغداد للقبول بتنفيذ المادة 140 وفتح ملف كركوك.
وفتح ملف كركوك سيفتح الطريق تلقائياً إلى فدرلة محافظات الأنبار وديالى وصلاح الدين ونينوى وكلها جيران إقليم كردستان، وقد عرقلت بغداد تحولها إلى أقاليم في ولاية المالكي الثانية.
وإن لم تحصل مفاجآت، وفي ظل هذا التسلسل المتوقع لمسار الأحداث بعد تحرير الموصل، فإن بغداد وأربيل ستنشغلان في المرحلة القادمة في فتح ملفات شائكة بينهما منذ 2007 ، والمتوقع إذن أن تبقى محافظات العرب السنة باستثناء الموصل، بعيداً بدرجة أو أخرى عن اهتمام بغداد وأربيل.
وستظل تعيش فوضى التشتت السني والخراب في ظل عدم وجود رؤية سياسية لمحافظتهم بعد رحيل داعش قد تدفع المشاركين منهم لتجربة رابعة ببغداد لا تسمن ولا تغني من جوع.
من هنا لا بد لرموز العرب السنة والمشاركين منهم في العملية السياسية على وجه الخصوص عدم الاستسلام لواقع يدفعهم لتجربة رابعة في بغداد ستكون الأفشل على الإطلاق مقارنة بتجاربهم الثلاث السابقة.
والقرار التاريخي لهم هو أن يفعلوا مثلما فعل الكرد بعد تحرير الكويت في 1991، فقد انتفض الكرد بعد تحرير الكويت، وفاوضوا بغداد ولما لم تستجب، اجتمعوا وشكلوا المجلس الوطني الكردستاني وشرّعوا مفوضية انتخابات خاصة بالإقليم، وحددوا المناطق الانتخابية وشروط الناخب والمرشح، وجرى انتخاب أول برلمان في كردستان في مارس/آذار 1992، في ظل رعاية أممية وتحالف دولي.
وإن لم يغتنم المشاركون من العرب السنة هذه الفرصة التاريخية، فهذه دعوة لجمهور العرب السنة الغاضب من الجميع، أن يلتقط الإشارة ويدرس هذا الخيار ويغتنم فرصة الأشهر الستة القادمة المشابهة بمعطياتها الجيوسياسية لمعطيات غزو العراق للكويت بل وتزيد عليها.
فهناك تحالف دولي ستيني وآخر إسلامي أربعيني وفراغ سياسي في محافظات العرب السنة، وبغداد متعبة ومشغولة بأكثر من ملف كما كان وضع بغداد بعد تحرير الكويت، فهل من مغتنم لهذه الفرصة التاريخية التي لم تمر على العرب السنة مثلها منذ 2003؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.