مناظرة نواب مرشحي الرئاسة في أميركا.. والعرّاب نائباً لترامب!

دونالد ترامب سيكون الأكبر سناً بين الرؤساء الأميركان إذا تم انتخابه، وستكون هيلاري كلينتون ثاني أكبر الرؤساء سناً بعد رونالد ريغان

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/17 الساعة 01:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/17 الساعة 01:51 بتوقيت غرينتش

تيم كين ومايك بينس، هل سمعت بأحدهما؟ إنهما نائبا المرشحَين لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية، وفي الواقع أكثر من 40٪ من الناخبين الأميركان لا يعرفون اسم أي منهما، حسب استطلاع للرأي أجرته "إن بي سي نيوز" في الأسبوع الماضي، ويعود ذلك إلى أنهما لا يشغلان مساحة كبيرة على وسائل الإعلام التي تغطي السباق الرئاسي الأميركي، ويرى جون كاسيدي، الكاتب في "نيويوركر"، أن السبب الأوضح لهذه الظاهرة هو أن أياً من نائبي الرئيس لن يصبح رئيساً للولايات المتحدة.

لم تتكرر حالات تولي نائب الرئيس الأميركي منصب الرئاسة سوى 14 مرة، منذ أن تولى الرئيس الأميركي الثاني جون آدامز الرئاسة بعد الرئيس الأول جورج واشنطن، في عام 1797، وفي ثمانٍ من هذه الحالات، وآخرها الرئيس السادس والثلاثون ليندون جونسون، تولى نائب الرئيس منصب الرئاسة، بسبب مرض الرئيس وموته أو اغتياله، فيما تولى توماس جيفرسون -الرئيس الثالث- ومارتن فان بورين -الثامن- وجورج بوش الأب -الحادي والأربعون- الرئاسة بالانتخاب بعد أن كانوا نواباً للرئيس الذي سبقهم، وتولى ريتشارد نيكسون -السابع والثلاثون- الرئاسة بعد ثماني سنوات من تركه منصب نائب الرئيس، وتولى جيرالد فورد -الثامن والثلاثون- الرئاسة بعد إجبار نيكسون على الاستقالة بعد فضيحة ووترغيت.

دونالد ترامب سيكون الأكبر سناً بين الرؤساء الأميركان إذا تم انتخابه، وستكون هيلاري كلينتون ثاني أكبر الرؤساء سناً بعد رونالد ريغان، وبالتالي لا بد من التعرف أكثر على نائب الرئيس الجديد الذي قد يتولى الرئاسة في الفترة الأولى، وربما في الفترة الثانية للرئاسة، إذا أصيب الرئيس بحالة صحية تمنعه من إتمام مهامه أو توفي.

كين وبينس في الخمسينات من عمرهما، يملك كل منهما خبرة تراكمت عبر سنوات في العمل السياسي، ولكن المناظرة الأخيرة بينهما شهدت كثيراً مما كان متوقعاً أصلاً، كين الذي وصف ترامب سابقاً بـ"الأحمق"، هاجمه وتحدّى بينس بالدفاع عنه، وكذلك بينس، الذي وصف هيلاري بأنها "أكذب مرشح لرئاسة الولايات المتحدة منذ ريتشارد نيكسون"، لم يوفر أي لكمة لهيلاري أو لنائبها تيم كين، وحتى لا يكون الحديث عن المناظرة انعكاساً للحديث عن ترامب وهيلاري سنتناول فيما يأتي نائبي الرئيس:

تيم كين نائب هيلاري كلينتون

كين من مدينة كنساس في ولاية ميزوري، عائلته كذلك من الطبقة المتوسطة، والده كان عاملاً في قطاع التعدين، وأمه كانت معلمة، يقول كين: "لطالما أردت أن أعمل من أجل الآخرين، والدفاع عن حقوقهم"، من عائلة محافظة مرتبطة بالكنيسة، يقول جيف شابيرو من ريتشموند تايمز ديسباتش، إن كون "كين" يسوعياً غرس فيه فكرة التحرير الديني (liberation theology)، التي انعكست على سلوكه السياسي، وأثناء عمله الجامعي سافر إلى هندوراس للعمل في بعثة تبشيرية يسوعية؛ حيث علّم الأعمال المهنية مثل النجارة للطلاب لعام كامل، يقول كين: "اقتنعت هناك بأن علينا أن نعزز المساواة والفرص للجميع بغض النظر عن أصلهم ومظهرهم ومقدار المال الذي يملكونه".

بعد دراسته القانون، انتقل كين إلى فيرجينيا قريباً من عائلة زوجته؛ ليبدأ هناك مسيرته المهنية في القانون، تدرج في العمل السياسي في فيرجينيا، كان أول عمدة منذ عقد كامل لمدينة ريتشموند التي تضم غالبية من الأميركان السود؛ حيث تمتع بعلاقة جيدة مع الأميركان من أصل إفريقي، صار حاكماً لفيرجينيا، استولت الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008 وحادثة مقتل 32 شخصاً في جامعة فيرجينيا تيك التي كانت الأكبر من نوعها في الولايات المتحدة على جل اهتمامه.

وعلى الرغم من فشله في إقناع الكونغرس ذي الغالبية الجمهورية بفرض قيود توجب التحقق من سيرة سلوك مشتري السلاح، فإنه نجح في سد ثغرات في القانون كانت تسمح للمختلين عقلياً بشرائه.

واصل كين الصعود كنجم سياسي، فقد ساهم في فوز باراك أوباما بالرئاسة في عام 2008، وعُيّن رئيساً للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي في العام التالي، وفي عام 2012 نجح بدخول مجلس الشيوخ عضواً عن فيرجينيا، يعتقد أن السياسة قد تكون تطبيقاً عملياً للدين.

مايك بينس نائب دونالد ترامب

وُلد بينس في ولاية إنديانا لعائلة أميركية كبيرة من أصل آيرلندي، وهي من الطبقة المتوسطة، والده كان يملك محطة وقود، ويعمل في البناء، يقول بينس: "أنا من بلدة صغيرة، ترعرعت في جنوب إنديانا، في عائلة كبيرة وحقل للذرة"، في صباه كان يخدم في الكنيسة أحياناً سبعة أيام في الأسبوع، كان منسقاً في فرع شباب الحزب الديمقراطي في بلدته، كان يحترم جون كينيدي، ولديه تمثال له، وصوّت للرئيس الديمقراطي جيمي كارتر، لكن توجهه السياسي بدأ بالتغير في الجامعة، حينما أعلن أن رونالد ريغان ألهمه التحول إلى الحزب الجمهوري، وقال إنه مثّل أفكار أميركا التي يؤمن بها.

فشل بينس في انتخابات عضوية الكونغرس عن إنديانا مرتين في الثمانينات؛ ليتحول إلى العمل الإعلامي، ويؤسس برنامجه الإذاعي "ذا مايك بينس شو"، يصف نفسه بـ"المحافظ الذي ليس منزعجاً من كونه محافظاً"، ترك كنيسته الكاثوليكية وانضم إلى كنيسة إنجيلية (evangilical) في الولاية نفسها، وفي عام 2000 نجح في دخول الكونغرس، ومنذ ذلك الحين كان من صقور المحافظين، لكنه لم يتفق دائماً مع قيادة الحزب الجمهوري، فقد اختلف مع برامج الرئيس بوش الابن للتعليم وتوسيع برنامج التأمين الصحي.

تخلّى بينس عن مقعده في الكونغرس ليترشح ويفوز بمنصب الحاكم في موطنه إنديانا، وفي عام 2015 دافع عن قانون أقره يتيح لأصحاب الأعمال التمييز ضد المثليين، خرجت مظاهرات ضد القانون، مما دفعه إلى إجراء بعض التغييرات التي شوهت صورته في النهاية، فمن جهة رأى مؤيدوه أنه استسلم، ومن جهة أخرى لم يقتنع معارضوه بالتغييرات التي رأوا أنها غير كافية، كان بينس محط إعجاب وإشادة المحافظين لقيامه بخفض الضرائب، وفرضه قيوداً على الإجهاض.

يؤمن بأن عمله من صلب دينه، ويصف نفسه بأنه "مسيحي، محافظ، وجمهوري، على التوالي".

بينس نموذج لسياسيي الحزب الجمهوري الذين يختلفون في الواقع عن ترامب، فله مواقف متشددة تجاه مسائل اجتماعية مثل الإجهاض وزواج المثليين، فيما يتجنب ترامب المسائل الاجتماعية.

المناظرة بين هدوء بينس ومقاطعة كين

لا يمكن تجاهل الهدوء الأنيق لمايك بينس منذ بداية المناظرة حتى نهايتها، لم تتغير نبرة صوته، وكانت حركاته أقل بشكل ملحوظ من حركات كين، ولم أتذكر أثناء مشاهدتي لحديثه في المناظرة إلا مارلون براندو في دور العراب في الجزء الأول من الثلاثية الشهيرة، أما كين فقد قاطع بينس عشرات المرات، وكانت حركاته وتقلبات صوته أكثر بشكل ملحوظ، هذا إذا اكتفينا بمشاهدة المناظرة دون التركيز فيما يقوله المُتناظران أو بدون صوت.

تحدّى كين بينس مراراً أثناء المناظرة للدفاع عن تصريحات ومقترحات دونالد ترامب التي أطلقها أثناء حملته الفوضوية والارتجالية، مُجبراً بينس على تجاهل ومراوغة عدد من الأسئلة، ولم يكن ذلك انحناءً دفاعياً منه، فهدوءه ونبرته الثابتة لم تتغير، لكنه واصل تفادي ورفض أسئلة عن أفكار ترامب، محاولاً الانتقال إلى سجل أوباما في السياسة الخارجية.

فتح ذلك الباب لكين ليشق طريقه نحو الحديث عن روابط ترامب الاقتصادية بالبنوك الروسية، وعمل حملته الانتخابية كلوبي ضغط لمصلحة شخصية أوكرانية متنفذة، وإشادة ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي استغله بينس ليوجه ضربة إلى المعسكر الديمقراطي بقوله إن إدارة أوباما تركت للروس السيطرة على الساحة السورية، حينها بدا التردد على تعابير وجه كين والصدمة من طرح هذا السؤال.

واصل كين الحديث عن تصريحات ترامب بشأن بوتين، وعن السجل الرئاسي لبوتين نفسه من اقتصاد بلاده المهزوز إلى قمعه للصحفيين، حاول بينس مراراً أن يؤكد أن ترامب لم يقل أياً مما ذكره كين، وعندما فشل في ذلك وصف الاقتباس من مقولات ترامب بمحاولة توجيه إهانات؛ ليلخص كين المناظرة بقوله: "قلت للحاكم بينس ست مرات الليلة إنني لا أتخيل كيف يمكنه أن يدافع عن موقف مرشحه (ترامب…) إنه يطلب من الجميع التصويت لمرشح لا يمكنه هو أن يدافع عنه".

قد يظهر السرد السابق لأحداث المناظرة أن كين خرج منها منتصراً إلا أن هذا لم يكن رأي الجميع، فقد رأى المحلل السياسي ديفيد غيرغين أن بينس قدم بأدائه خدمة مهمة لدونالد ترامب ولحملته، مشيراً إلى أن الناخبين لا يبنون وجهة نظرهم عن المناظرة من كل جملة ترد فيها، لكنهم يأخذون الانطباع الكامل بعين الاعتبار، ربما لا يكون أداء بينس جيداً لدى المتحققين من صحة المعلومات التي ساقها، لكنّ اتزانه ورباطة جأشه ستتركان أثراً كبيراً -لا شك- لدى الناخبين.

كين يملك حساً وخبرة سياسية أكبر من بينس، إلا أنه كان مجبراً على مهاجمة خصمه، الأمر الذي وصفه غيرغين بأنه مختلف عن شخصيته، فمقاطعته لبينس لم تساعده كثيراً، وفي النهاية أظهر استطلاع للرأي لـ"سي إن إن" أنّ 48٪ من الناخبين الذين شاهدوا المناظرة رأوا أن بينس قدّم أداء أفضل، في حين رأى 42٪ أن أداء كين كان أفضل، ولا شك في أن هذه النتيجة أعطت الجمهوريين أخيراً سبباً للاحتفال مرة أخرى، وعلى ترامب نفسه أن يتعلم من فائدة التحضير للمناظرة لدى نائبه مايك بينس.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد