روسيا والولايات المتحدة والحاجة إلى إشعال حرب

لا شك، فإن العلاقات بين القوتين تبدو متراجعة وتزداد تقهقراً بعد كل فقرة سياسية، وتداعياتها بأي حال لن تكون محدودة أو مؤقتة، بل إنها ستظل ممتدة ومتنامية، وهي في الحقيقة قد تصل بهما إلى إشعال حرب، ولكن ثمن الخسارة لديهما، هو الذي يمنع حدوثها إلى الآن على الأقل.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/17 الساعة 06:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/17 الساعة 06:20 بتوقيت غرينتش

مع انتهاء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة 1988 – 1989، تشكلت ملامح الهيمنة الأميركية، وبرزت على التلّة كقطبية واحدة، وخصوصاً بعد تفكك المنظومة السوفييتيّة، إلى جانب استفادتها من تراجعات قوى دولية -أوروبية وآسيوية- حيث تمكنت منذ تلك الفترة من فرض نفسها على العالم، وسواء كان عن طريق التدخل في شؤونه الداخلية والخارجية، أو بطريق إقامة الحرب تحت عناوين دفاعية وانتقامية، بحجة أنها ضحية العنف والإرهاب، أو بطرقٍ أخرى متعلقة بعناوين تحقيق الهدوء والاستقرار، وذلك من خلال قيامها بفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية ضد الكيانات التي لا تخضع لمعايير رؤيتها واشتراطاتها الجديدة.

رغم ذلك وكما بدا للكل، بأن الأيام التالية لم تصفُ كفاية أمامها، فإلى جانب الأثمان الباهظة التي دفعتها مقابل تورّطاتها المختلفة حول العالم، حرباً كان أو على حساب السلم الدولي، فقد بقيت روسيا باعتبارها القوة المتبقية من الاتحاد السوفييتي، تتحرك من داخل مرقدها، بما يؤثر سلباً على خطوات واشنطن، التي كانت تحلم بتحقيقها، خصوصاً أنها لم يكن سهلاً عليها ابتلاع ضربتين كبيرتين في آنٍ واحد.

تقريباً، فإن جُلّ الخطوات التي أقدمت عليها واشنطن وحلفاؤها، سواء الموجودون في الغرب أو الشرق، والتي تهدف إلى احتواء روسيا وإضعافها، باءت بالفشل، واتضح ذلك في الكثير من المناسبات، سواء على الأصعدة السياسية أو الميدانية حول العالم، على الرغم من وجود تعاونات مهمّة بين الدولتين في قضايا أخرى.

على مدار الفترة الماضية، تم رصد الكثير من الأزمات الشديدة والتضادات العنيفة التي طافت بينهما، خصوصاً حول الأمور التي تعتبرها كل منهما تهديداً مباشراً لمصالحها ولكيانها بشكلٍ أعمق، إلى الدرجة التي جعلتهما تُكنّان رغبة جامحة في شن الحرب ضد الأخرى، فمن نيات الولايات باتجاه نشرها لمنظومات صواريخ وتعزيز البنى التحتية العسكرية على مقربة من الحدود الروسية، إلى عزم الناتو تجهيز مفاجأة نووية ضدها، إلى الإعلان عن نجاح القوات الجوية الأميركية في اختبار القنبلة النووية الموجهة (B – 61)، إلى إقدام الروس على تقويض السياسات الأميركية على مستوى العالم، وتعمّدهم مناكفة حلف الناتو في الكثير من القضايا الأمنيّة والعسكرية.

الأزمة السورية بشكلٍ خاص كانت الأشد وضوحاً في توتير الأجواء بعمومها، خصوصاً أن روسيا بدت القوّة الأعظم، من خلال تكثيف وجودها العسكري على الأراضي السورية وداخل المنطقة بشكلٍ عام، وإظهار شراسة أكبر في تعاملها مع ظروف الميدان، وبما يتلاءم مع رؤيتها المصلحية، وبالمقابل، عدم إظهارها أي ليونة في مفاوضاتها الصعبة أمام واشنطن، حرصاً منها على تقويض أهدافها، وبالتالي ترسيخ أقدامها داخل المنطقة بشكلٍ عام، سعياً إلى تجميع إمبراطوريتها الضائعة.

في البداية ذكر جنرالات أميركيون أن احتمالات الحرب مع روسيا هي مضمونة الحدوث، ولا مفر منها، وذلك استناداً إلى وجود تهديدات روسية حقيقية باعتبارها دولة قوميّة حديثة تتصرف -حسب رأي بعضهم- بعدوانية في ظروف عسكرة التنافس، وكان اللواء "ويليام هيكس" المسؤول في هيئة أركان القوّات البريّة الأميركيّة، قد صرّح في هذا الصدد بأن الجيش الأميركي يستعد لعمليات عسكرية على نطاقٍ لم يواجهه منذ الحرب الكوريّة في أوائل الخمسينات الماضية.

وكانت روسيا قد شددت على أن العلاقات مع الولايات المتحدة تشهد أسوأ حالاتها منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، واعترفت بخطورة الأوضاع، بحيث لا تنعدم الثقة والاحترام بينهما فقط، بل ينعدم الأمن تحديداً، لدرجة أنها ترى أن أقدامها تقف على شفا الحرب، وكانت تواردت أنباء فور قيام الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بإلغاء زيارته المقررة إلى فرنسا، تُفيد بأنه دعا كبار مسؤوليه للعودة للبلاد، خشية اندلاع حرب، ترتيباً على الخلافات المترامية حول دور موسكو في الصراع السوري، وكان الرئيس السوفييتي السابق "ميخائيل غورباتشوف" قد حذّر من أن العالم في "نقطة خطِرة" بسبب تصاعد التوتر بين البلدين.

لا شك، فإن العلاقات بين القوتين تبدو متراجعة وتزداد تقهقراً بعد كل فقرة سياسية، وتداعياتها بأي حال لن تكون محدودة أو مؤقتة، بل إنها ستظل ممتدة ومتنامية، وهي في الحقيقة قد تصل بهما إلى إشعال حرب، ولكن ثمن الخسارة لديهما، هو الذي يمنع حدوثها إلى الآن على الأقل.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد