الوحدة

أجلس اليوم وأتأمل، اليوم أول يوم لي في سنتي الرابعة في السجن، دخلت في السابعة عشرة، وأكمل الواحد والعشرين خلال شهرين، ثلاث سنوات مرت منذ تلك اللحظة، ثلاث سنوات حدث فيها الكثير والكثير، وما اكتشفته اليوم وأنا أتأمل الناس، أني مقدر لي أن أكون وحيداً، داخل السجن وخارج السجن.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/16 الساعة 05:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/16 الساعة 05:39 بتوقيت غرينتش

شعور صعب أن توجد في مكان مزدحم، مكتظ بالناس، يضج بالصوت العالي، يجلس الناس فيه أزواجاً ومجموعات، وأنت على هامش هذا كله، تجلس وتراقب، وحيداً.

أجلس اليوم وأتأمل، اليوم أول يوم لي في سنتي الرابعة في السجن، دخلت في السابعة عشرة، وأكمل الواحد والعشرين خلال شهرين، ثلاث سنوات مرت منذ تلك اللحظة، ثلاث سنوات حدث فيها الكثير والكثير، وما اكتشفته اليوم وأنا أتأمل الناس، أني مقدر لي أن أكون وحيداً، داخل السجن وخارج السجن.

اختلافي الفكري مع معظم من يوجدون هنا وضع حاجزاً كبيراً بيني وبينهم، لم يكن يوماً حاجزاً بالنسبة لي، لكنه ثبت لي مراراً وتكراراً أنه حاجز بالنسبة لهم، فعند بعض المجموعات صاحبة الأيديولوجية الواحدة، إن لم تكن معهم، فلا يمكن أن تتعامل نفس المعاملة، لا سيما إن كنت تجهر بخلافك، فمهما تقربت من أشخاص واعتقدت أنهم يبادلونك حباً صادقاً كالذي تشعره نحوهم، فستكتشف دوماً أنك لن تكون أبداً "أخاً".

أما في الخارج، فمهما اختلطت بالناس، حتى من تعلم صدق حبه لك، فسيوجد دوماً حاجز بينك وبينهم، بسبب ما رأيت ولم يروا، وما خبرت ولم يخبروا، وما شعرت ولم يشعروا، فبالتالي لن تشعر أبداً أن أحدهم يستطيع أن يفهمك.

أجلس وأتأمل قدري ووحدتي المكتوبة، فانقسمت حياتي ما بين أشخاص هم الوحيدون الذين يستطيعون فهم ما خضته، لكنهم لا يقبلونني ولا أقبلهم، وآخرين يودون بكل صدق الوقوف بجانبي، لكنهم غير قادرين على استيعاب ما بداخلي.

أفكر في كل هذا بعد أن انتهيت من البكاء بعد أن وصلني خبر إصابة أبي بأزمة قلبية في سجن طرة ودخوله المستشفى، وأنا لم أرَه منذ ما يقارب العام، ومع ذلك يتجاهل مَن بالخارج تماماً كل الطلبات التي قدمتها لزيارته.

أنحّي هذا الموضوع جانباً؛ لأني لا أطيق التفكير فيه، صرت غير قادر على التعايش، أصبحت لا أحتمل الناس وأعتزل التعامل مع الكل، أجلس اليوم، السادس من أكتوبر/تشرين الأول لعام 2016، الذكرى الثالثة لدخولي السجن، أول يوم في سنتي الرابعة هنا، كئيباً، وحيداً، ساخطاً، لا أعلم ماذا أفعل.

أمامي اللانهائية اللعينة، وخلفي ذكريات بدأت أشك في صدق معظمها.

أنهي هذه الرسالة، وأبدأ في كتابة طلب للمباحث بأن أدخل الحبس الانفرادي عدة أيام، أجالس بها نفسي، نعم، الحبس الانفرادي، التأديب، أفضل بكثير من حالي الآن.

فالوحدة وحيداً خير بكثير من الوحدة في الزحام.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد