إعصار ماثيو.. “مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً”

ولعلّ النموذج الأميركي اليوم هو أحدها أو الأقرب لحالة "التألّه" المقاربة لطغيان جبابرة التاريخ وفراعنته، ولم يعد يفرق -الأميركان- عنهم في ممارساتهم ومنطقهم الذي يقول: "ما علمت لكم من إله غيري"، فكوّنوا إمبراطوريتهم التي يقولون عنها إنها لا تُقهر، ورأوا أنهم هم العالم كلّه، جبروتهم ومظالمهم منتشرة في كل الأنحاء.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/13 الساعة 04:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/13 الساعة 04:19 بتوقيت غرينتش

الإِعْصار في اللغة، بحسب "مختار الصحاح": ريحٌ تَهُبُّ بشدَّةٍ، وتثيرُ الغُبارَ، وترتفِعُ كالعمود إلى السماءِ.

وورد ذكره في القرآن الكريم في عدةّ آيات كريمة، منها قوله تعالى: "فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ"، وأما الإِعْصَارُ -في الجغرافيا- فهو منطقةٌ من الضَّغط تجذب الرِّياح إلى مركزها في اتجاه عكس عَقَارب السَّاعة في نصف الكرة الشمالي، والعكس في نصف الكرة الجنوبي.

في الخلاصة: "الإعصار" هو مجرّد رياح عاتية يعزو خبراء الأرصاد وعلماء الطقس أسباب تكوّنها إلى مجموعة عوامل بيئية واختلافات في درجات الحرارة وضغط الهواء، وبإمكانهم رصده -الإعصار- أو التنبؤ بوقوعه قبل بضعة أيام قليلة، ثم يستطيعون تتبّع حركته ورصد المناطق التي يمكن أن يمرّ بها، وتحديد درجات أو تصنيفات لخطورته وحدّته.

وعمليات التنبؤ والرصد والتتبّع تنبئ عن مقدار التقدّم التقني والفني الذي استطاع معرفة تفاصيل دقيقة عن مجرّد هواء يتكوّن ويتأثر ويتحوّل بطريقة ما إلى قوّة ضاربة ينتج عنها كارثة لا تستطيع كل الأدوات والوسائل منع وقوعها، أو تغيير مسارها، رغم كل التطوّر الذي يعيشه العالم اليوم.

وفي ظل وجود مثل هذه التفسيرات العلمية لمثل هذه الظواهر البيئية، صار يغيب عن بال الكثير من البشر أن هذه الأعاصير ومثلها من الكوارث الطبيعية إنما هي آيات كونية تستحق التأمل والاعتبار والاستحضار، خصوصاً للطغاة والجبابرة الذين ينسون في غمرة غرورهم وتكبرهم واعتدادهم بملكهم وقوتهم أن للكون إلهاً تخضع كل المخلوقات لتدبيره وتقديره، صغيرها وكبيرها، أحياؤها وجمادها، مياهها ورياحها، لا يملك زمام هذا الكون سواه سبحانه وتعالى.

فها هي قصة قوم عادٍ الذين رأوا في أجسادهم وتركيبتهم كأنما أصبحوا قوة لا تُقهر، وأن بطشهم شديد، ولا يقوى أحد على مبارزتهم، حتى نزل فيهم قرآن يُتلى إلى يوم القيامة، وذلك في سورة "فصلت"، في قوله تعالى: "فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا مَن أشدّ منا قوة"، في واحدة من أقوى صور الاستكبار والتعالي والتباهي؛ ليأتيهم الرد الرباني بقوله تعالى: "أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون".

على أن قوم عاد إنما هي قصة تاريخية باتت تتكرّر حتى يومنا هذا مع اختلاف الشخصيات والمسميات، حالة الطغيان والتجبّر لا تكاد تختلف.

ولعلّ النموذج الأميركي اليوم هو أحدها أو الأقرب لحالة "التألّه" المقاربة لطغيان جبابرة التاريخ وفراعنته، ولم يعد يفرق -الأميركان- عنهم في ممارساتهم ومنطقهم الذي يقول: "ما علمت لكم من إله غيري"، فكوّنوا إمبراطوريتهم التي يقولون عنها إنها لا تُقهر، ورأوا أنهم هم العالم كلّه، جبروتهم ومظالمهم منتشرة في كل الأنحاء.

لكن وسط كل ذلك العناد والتغطرس، والظلم الذي يمارسونه، أراد سبحانه وتعالى في مطلع هذا الشهر أن يريهم شيئاً من قوّته وجبروته، ويرسل عليهم جنداً من جنوده، إعصار "ماثيو"، مجرّد رياح، لا يرونها ولا يلمسونها، لكنها هزّت الشاهق من بنيانهم، ودمّرت جسورهم، وغمرت أراضيهم بالمياه، وأوقفت سير حياتهم، وعطّلت مرافقهم، وأغلقت مصانعهم ومستشفياتهم ومدارسهم، وقطعت كهرباءهم، وقتلت ما يقارب الـ900 شخص، وهجّرتهم من منازلهم، وشلّت سائر أنواع الحياة في بعض ولاياتهم، حتى تم الإعلان عن أنها مناطق منكوبة عجزت فرق الدفاع المدني والإنقاذ حتى عن إحصاء عدد القتلى والضحايا، ووقفت كل إمكانياتهم وقدراتهم عن منع هذا الإعصار الذي هو رياح، مجرّد رياح ليس فيها صواريخهم ولا مدمّراتهم ولا بوارجهم ولا قنابلهم التي ما فتئت تفتك بالبشر هنا وهناك، ولسان حالها يقول: "من أشدّ منّا قوة".

إنها قدرة الله -سبحانه وتعالى- التي ننسى في غمرة حياتنا وانشغالاتنا وتوقعاتنا وتخطيطنا أن نجعل لها مكاناً في وارد حساباتنا، وكذلك اعتبارنا.

سانحة:
قال تعالى: "يا أيها الناس ضُرب مثلٌ فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يَستنقِذوه منه ضَعُف الطالبُ والمطلوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِي عَزِيزٌ".

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد