فلسفة الفكة

بدلاً من أن تبحث الدولة عن موارد إضافية تساعد على تحسين حياة الفقراء والمعوزين بمصر، نجدها ترهق هؤلاء من أمرهم عُسرا، وتُحمّلهم ما لا يطيقون. نجدها، وقد أسلمت قيادها وزمامها لثُلّة من الخبراء الوافدين بأجندة للتنمية لا تراعي احتياجات الفقراء من الشعب وهم الغالبية، بل لا ترى هؤلاء كليّة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/09 الساعة 02:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/09 الساعة 02:38 بتوقيت غرينتش

ليس أعجب من الحديث عن الاستحواذ على الفكة "كسر الجنيه" الموجودة بجيوب وحسابات الناس بالبنوك على ندرتها وضآلتها، إلاّ التبرير المخلّ لدرجة استدعت قدرة المصريين على السخرية من الموضوع برمته.

لكن الأعجب أن يستدعي البعض نماذج من الشرق والغرب عن تجارب تمت للاستعانة بفوائض العملة المحلية أو كسورها لدى المواطنين، لدعم برامج التنمية . ويسير البعض لتجربة "القرش" في العهد الملكي، حينما عانت مصر من أزمة كساد كبيرة عقب الحرب العالمية الثانية، وهو مشروع تحقق له النجاح والتف الناس حوله.

لكن عندما تغيب الرؤية السليمة ولا يكون للدولة من همّ وشغل سوى ما في يد المواطن الغلبان الفقير، وبخاصة موظفو الحكومة والهيئات العامة، ثم استنزافهم سواء بتخفيض مرتباتهم بصورة فعلية أو إجهادهم بضريبة كسب العمل، وأخيراً الاستيلاء على كسور الجنيه لدخولهم الشهرية أو تحويلاتهم وأرصدتهم بالبنوك، فالأمر أصبح فعلاً مثاراً للسخرية والتندر، وأطلق قريحة المصريين في التنكيت والتبكيت على السلطة.

خاصة وأن الدولة لديها مصارف كثيرة يمكن من خلالها تدبير موارد ضخمة للغاية ومشروعة، تُعينها على إدارة برامج التنمية، منها تحصيل الضرائب المستحقة على رجال الأعمال الكبار، ثم استرداد الأموال المهدرة من دعم القمح وغيره من السلع الاستراتيجية، وبناء على تقارير لجان رسمية، واكتفت باسترداد دراهم معدودات وكانت معهم من الزاهدين في باقي هذه الأموال التي تُقدّر بعشرات المليارات من الجنيهات.

ثم أخيراً، البناء العشوائي الذي تم على الأراضي الزراعية منذ يناير2011 وحتى الساعة، ما أدى لتدمير عشرات آلاف الأفدنة من الأراضي الزراعية الخصبة في الوادي الضيق، كي تُبنى عليها عشرات الآلاف من الأبراج الخراسانية، شاهدة على حجم وكم الفساد في المحليات بمصر، بدلاً من أن تفرض الدولة من فورها غرامات على الوحدات السكنية بهذه الأبراج (قدّر بعض الخبراء، قيمتها بما لا يقل عن 40 مليار جنيه) نجدها وقد غضّت الطرف، ولجأت للتصالح وإمداد هذه الوحدات بخدمات المرافق المختلفة، وكأنها بفعلتها هذه تشجّع على فساد المحليات وتُعين الفاسدين، حيث يجدون في النهاية في الدولة نصيراً وحامياً..

بدلاً من أن تبحث الدولة عن موارد إضافية تساعد على تحسين حياة الفقراء والمعوزين بمصر، نجدها ترهق هؤلاء من أمرهم عُسرا، وتُحمّلهم ما لا يطيقون. نجدها، وقد أسلمت قيادها وزمامها لثُلّة من الخبراء الوافدين بأجندة للتنمية لا تراعي احتياجات الفقراء من الشعب وهم الغالبية، بل لا ترى هؤلاء كليّة.

خلاصة الأمر والوضع أصبح على النحو التالي:

• انفاق سفهي استهلاكي لا نظير له ولا نعرف مصادر دخول أصحابه.

• توسع كبير في الأنشطة العمرانية الفاخرة، الميل لفقه "الكومباوند" حيث تستقر النخبة في معيشتها بعيداً عن أعين المتطفلين من الفقراء والمتنطعين من بقايا الطبقة الوسطى.

• انفاق استثماري كبير جداً على نشاطات تنموية اقتصادية تهتم بالبنية التحتية فقط (شبكات طرق وكبارٍ وغيرها) ولا تراعي البشر، لتظل المعضلة كما هي التنمية الاقتصادية أولاً أم تنمية البشر؟!

• النظر للكثافة السكانية باعتبارها رقماً يمثل عبئاً كبيراً على الدولة وموازنتها، ينبغي التخلّص منهم أو تقليصهم، بدلاً من اعتبارها مورداً يمكن الاستفادة منه (الصين والهند نموذجان شاهدان على قدرة البشر على النهوض بالاقتصاد دون أن يكونوا عبئاً).

• تجاهل مصادر كبيرة وكثيرة للإيرادات، التركيز على اقتصاد الجباية.

• التوسع في التبرعات، كمصدر للتمويل للمشروعات التنموية، لعل آخرها فكرة الاستحواذ على كسور الجنيه، تحت مبررات وتفسيرات مختلفة، والتركيز على الناحية العاطفية والدينية لدى الناس لمساعدة الدولة بشتى الطرق من خلال برامج ممنهجة لجمع التبرعات تحت مسميات وقنوات مختلفة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد