"1"
في بداية هذا المقال دعْنا نتصارح: أنا أحمل بداخلي نسبةً كبيرةً من النرجسية، هذه حقيقة.
عندما بدأت قضية مهند تلوح بالأفق بمجرد خروجه من محبسه، كان ما جذبني لقراءة قضيته حقاً هو تشابه اسمَينا، الأمر الذي اعتدت ندرة حدوثه على أرض الواقع، ولكن بمجرد قراءة التحقيق المنشور معه، استرعى انتباهي تاريخ الميلاد المقارب لتاريخ ميلادي، في الواقع كان يكبرني بيومين فقط، حسناً دعنا نتفق على أنني ارتجفت وقتها بسبب تلك المصادفة.
أكملت قراءة التحقيق، وأثار انتباهي ذلك الإحساس بالعدمية المتفجر به حديثه، الفتى ليس صاحب أيديولوجية صريحة، ولا يتحدث بذلك اليقين المعتاد في تلك الحالات، نحن هنا نتحدث عن شاب لا يرغب بالحديث، ولكنه يُدفع إلى ذلك دفعاً.
لم أستطِع اعتبار ذلك دليلاً كافياً على سأمه، فضغطتُ على رابط صفحته المنشور بالتحقيق، وشرعت بالتصفح.
"2"
حسناً دعني أصرِّح باعترافٍ آخر: أنا أناني، أحمل بداخلي رغبة عُظمى بالتملك.
لم أستطِع أن أتمالك نفسي بعد قليل من التصفح في صفحته من إرسال طلب صداقة، وعلى الرغم من رفضي الشديد لفكرة قبول طلبات صداقة من أشخاص لست أعرفهم، وعلى الرغم من أنني أتبنى بشدة فكرة "المتابعة" بدلاً من "الإضافة" في معظم تلك الحالات، فإنني لم أستطِع صَرْف احتمال وارد، هو أن يكون أحد أولئك الذين يقبلون طلبات الصداقة من دون تدقيق.
في الواقع كان ما يتملكني وقتها هو رغبتي الأنانية بتملك ذلك الشخص في قائمة أصدقائي على موقع التواصل ذاك.
"3"
والآن مع الاعتراف التالي: رغبتي بالتملك تتعاظم حينما أجد أحداً ممن أعرفهم مقتنياً أحد الأشياء التي أرغب بها.
مر الآن أسبوع، وكنت قد نسيت القصة تقريباً، لأجد أحد منشوراته تظهر لديَّ بالصفحة؛ لأدخل على صفحته مرة أخرى، وأجد الطلب ما زال معلقاً، حسناً جدَّ جديد أيضاً، قد وجدت بيني وبينه أربعة أصدقاء مشتركين.. لا بأس إنها الحرب إذاً.
قمت بإرسال رسالة على الخاص لديه، في المعتاد تلك الرسائل تُجدي نفعاً حينما أرسلها للمشاهير، خصوصاً أنني أدرك تماماً أن أسلوبي مميز، وأدرك أيضاً كيف ألعبُ على وتر غرورهم؛ مما يدفعهم لقبول الصداقة.
"4"
دعنا الآن من تلك الرسالة مؤقتاً، ولنُدقِّق الآن مع الاعتراف الرابع: أنا أعشق الموسيقى.
في الألبوم "100" الذي كان مهند يضيف إليه الصور تباعاً على صفحته الشخصية، -والذي لم يكمله للأسف- كان مهند يضع كل حينٍ صورة له أو لأحد الأشياء المحيطة به في لحظة ما، ويرفق بها كلمات إحدى الأغاني..
رابط الألبوم:
في الواقع جذبني للغاية اختياره للكلمات، وتوافقها مع الصور، في الواقع الأغاني التي كان يقتبس منها بعينها كانت تلعب على أوتار حساسة للغاية لديَّ:
"قوم نحرق هالمدينة ونعمر واحدة أشرف.. قوم ننسى هالزمان ونحلم بزمن ألطف".
على سبيل المثال صورته المصحوبة بالكلمات السابقة كانت كفيلة بجعل عينيَّ تدمعان بلا سبب.
حسناً، مر شهران الآن.. ولما كنت قد يئست من الرد على رسالتي الآنف ذكرها، فقد قنعت بالمتابعة، تدريجياً بدأت أنتظر حقاً الصور التي يضيفها تباعاً لألبومه ذلك، في الواقع كان فناناً حقاً في انتقائها.
"5"
والآن مع اعتراف آخر: إذا فشلت فإني سرعان ما أتقبَّل فشلي، بل وقد ترجمته بطريقةٍ ملتويةٍ ما إلى انتصار.
عند هذا الحد اعتبرت أنني قد نجحت في التأكد من المذكور آنفاً، وهو أن الفتى لا يبالي، وأنه ليس مهتماً حقاً، وأنه قد تم دفعه للصورة العامة رغماً عن إرادته، في الواقع بدأت أشفق عليه حقاً، كذلك فإني كنت قد بدأت أقنع بموقعي كـ"متابع".
"6"
والآن مع الاعتراف الأخير: أنا لا أتأثر بالمواقف الإنسانية، وإن تأثرت فإنني لا أظهر ذلك، وإن ظهر ذلك رغماً عن إرادتي فإنني أعمل على إخفائه، فإن فشلت تظاهرتُ بأن الأمر ليس كما يبدو، الأمر الذي تلخِّصه عبارة: "لأ مش عم ببكي، دمعت من الدخان".
اعتدت في الواقع أن أتصفح منشورات مواقع التواصل سريعاً في طريق ذهابي للجامعة؛ لأجد الخبر أمامي صباحاً: "مهند مات".
مهند مَن؟! في الواقع أجد صعوبة في إدراك أن "مهند" هو شخص آخر سواي، وتلك معضلة يدركها من يحملون أسماء غير منتشرة، وبالتالي احتجت إلى ثلاث ثوانٍ أو أربع لأستوعب الخبر.
ضجَّت مواقع التواصل بصوره، ضجت المواقع باللعنات على النظام، ضجَّت المواقع بالترحُّم عليه، ضجَّت بنشر منشوراته القديمة ضد النظام، ضجَّت وضجَّت وضجَّت، ومن وسط تلك الضجة وجدت مجموعة أخرى نفسها أمام قضية رأي عام تصطدم مباشرة بآرائها السياسية، فرفضت وقررت الانتقام والرد هي أيضاً.
وسرعان ما فوجئنا بضجةٍ أخرى أقل في الواقع، وإن كان يغلب على سمتها الوقاحة، ضجَّة هتفت بأن "مهند داعشي".
وكما هو معتاد اشتعلت المعارك ما بين مؤيد ورافض، ورافض ومؤيد، ومتبجِّح وأكثر تبجُّحاً، ومتاجر بالفتى ومتاجر بالمواقف.
اشتعلت جميع تلك المعارك، وأنا لا أزال ساكناً، غير متأثر، – كما ذكرت- أو قد أكونُ تأثرت قليلاً.. حسناً، قد تأثرت كثيراً.
أتأمل تلك المعارك كلها، وأتأمل صورة الفتى وفوقها تلك الكلمات:
"قوم نحرق هالمدينة ونعمر واحدة أشرف.. قوم ننسى هالزمان ونحلم بزمن ألطف".
وما زلت ساكناً حتى الآن، ولكنني في الواقع أرغب بالصراخ، أرغب بقول يصدح في الآفاق: "ألا تدعون الفتى يستريح.. يا بلهاء"، أم أنكم ستنتظرونَ إلى أن تحترق المدينة، وتنهدم على رؤوسنا جميعاً، في الوقت الذي لا نجد فيه حتى أولئك الـ"الأشرف" الذين سيعمِّرونها؟
في الواقع إن انتظرتم، فإني أتمنى فعلاً ألا أكون معكم من المنتظرين.