لماذا نثور؟

لماذا لا نثور وقد حُرِمنا حق الحلم؟ لماذا لا نثور وقد أصبح شبابنا بين قتيل ومطارد ومعتقل ويائس؟ لماذا لا نثور وقد أصبح أمل شبابنا "باسبور" و"تأشيرة" لبلد غير مصر؟ لماذا لا نثور وقد آثر خيرة شبابنا هرباً في قارب مختارين بين الموت غرقاً أو توسُّل فرصةٍ للبدء بعيداً عن موطنهم وأهليهم؟ لماذا لا نثور وقد ارتأى المسؤولون أن أعداد شبابنا خطرٌ على بلادنا؟ لماذا لا نثور وقد ارتأى القائد أن النهضة تقوم على "فكَّة" رواتب الكادحين؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/08 الساعة 03:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/08 الساعة 03:00 بتوقيت غرينتش

يتساءلون: لماذا نثور ما دُمنا نجد حاجاتنا من مأكل وملبس ومسكن؟ يتساءلون: لماذا نثور ما دُمنا نجد مدرسة لأبنائنا ومشفى لمرضانا ومؤسسات تقوم بتدبير الأمور؟ تتعالى أصواتهم: ما لكم لا ترضون لنا ولكم عيشاً آمناً؟ أم إنكم تريدون لنا عيشاً كما لـ"سوريا والعراق"؟ بهذا المنطق يحاجِجنا عجائزنا وكبراؤنا، ويباهلنا ذوو السلطة والمال فينا، ويستنكر علينا ثورتنا أهل الأبواق في وسائل الإعلام العربية والمصرية.

وفي الحقيقة، هناك إشكالات عدة تعتري تلك التساؤلات، فأولاً، بعيداً عن أننا -في مصر- ربما أفضل اقتصادياً وأمنياً من بعض البلاد المجاورة -لا سيما سوريا والعراق- إلا أننا على منحنى التوزيع الإحصائي نتشارك جميعاً اتجاهاً واحداً نحو الهاوية الاقتصادية والأمنية: قد تختلف أعداد الضحايا وكيفية تأثرهم من الناحيتين المذكورتين، لكن النتيجة في كل الأحوال واحدة، ناهيك عن أننا بهذه المقارنة نتجاهل حقيقة عقدنا المقارنة مع الأقل حالاً (وليس مقاماً)، بما يتضمنه ذلك من اعترافٍ بعدم المقدرة على إحراز تقدُّمٍ يؤهلنا للتطلع لمن هم أفضل.

أما الإشكالية الثانية: فيقول علماء النفس إن من علامات الصحة النفسية للإنسان أن يتطلع لما هو أفضل، وفي تعريفهم للتطلع يقولون إنه رغبة الشخص الفطرية لتحقيق الأفضل مع الاستعداد لتحمُّل الألم من أجل ذلك، وفي المقابل، تكون المقارنة مع الأقل من أجل إقناع الذات بالخنوع والسكوت عن سلب الغير لحق مشروع خصيصة تُبْعدُ الإنسان عن فطرته وآدميته، وبذلك، تكون أحلام شبابنا (بغض النظر عن انتماءاتهم وأفكارهم ومعتقداتهم) في عيش ٍكريمٍ وحريةٍ وعدالةٍ اجتماعيةٍ دليلاً على نقاء فطرتهم واكتمال إنسانيتهم، وتكون ثورتهم ضد الظلم والقهر والسرقة والفساد وضيق العيش تعبيراً عن سليقةٍ جَبَلهُمْ عليها خالقهم.

والثورة على الفساد والمطالبة بالحقوق والحريات وغيرها مرآة لمدى وعي المجتمع ونمو إدراك أفراده بحقوقهم وواجباتهم، وهي أيضاً تعبيرٌ عن السخط العام لهؤلاء الأفراد على الأوضاع السياسية والاجتماعية التي يعيشون فيها، وهي خروج على الظلم الذي يمارسه نظام استبدَّ بأهله، وعلى فئاتٍ استأثرت بما هو حقٌّ لغيرها من أفراد المجتمع، فالثورة بأبسط معانيها ليست إلا "ثورة على الظلم المحرَّمِ شرعاً، من أجل إقامة العدل الواجب شرعاً".

والثورة في جوهرها مطالبةٌ غاضبةٌ بإعادة ما سُلِبَ، والتنازل لمن هم أجدر بتولي أحلامنا، والعمل على نهضتنا، والضمير "نا" يعود على جموع المواطنين، وليس على فئات بعينها دون الأخرى، كالجيش والقضاء والشرطة وغيرهم، فنهضة الدولة تعني بالضرورة نفعاً لكل أفراد الدولة، وتحقيق تكافؤ في الفرص لكل المواطنين في أن ينالوا ما يصبون إليه حال عملوا واجتهدوا من أجله.

وبناء على ذلك، يكون في الحقيقة التساؤل: "لماذا لا نثور؟" أكثر دقةً وتعبيراً عن المقام والمقال، لماذا لا نثور وقد حُرِمنا حق الحلم؟ لماذا لا نثور وقد أصبح شبابنا بين قتيل ومطارد ومعتقل ويائس؟ لماذا لا نثور وقد أصبح أمل شبابنا "باسبور" و"تأشيرة" لبلد غير مصر؟ لماذا لا نثور وقد آثر خيرة شبابنا هرباً في قارب مختارين بين الموت غرقاً أو توسُّل فرصةٍ للبدء بعيداً عن موطنهم وأهليهم؟ لماذا لا نثور وقد ارتأى المسؤولون أن أعداد شبابنا خطرٌ على بلادنا؟ لماذا لا نثور وقد ارتأى القائد أن النهضة تقوم على "فكَّة" رواتب الكادحين؟

عزيزي الديكتاتور، أكنتَ رئيساً، أم مجلساً عسكرياً، أم من ذوي السلطة والمال، أو بوقاً من أبواق الإعلام، إليكم جميعاً نقولها: حلمنا حق مشروع، والتطلع نحو الأفضل حق مشروع، والعدالة حق مشروع، والمساواة حق مشروع، والعيش الكريم حق مشروع، وحرية الرأي حق مشروع، والاحتكام لصندوق الاقتراع حق مشروع، والمطالبة بكل هذا حق مشروع، أما وقد حُرِمْنا من كل ذلك، فلا تُسائلنا: لماذا نثور؟!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد