كاسباروف وكاربوف الروسيان، لعل الكثيرين لا يعلمون مَن هما، فالأول كان أصغر بطل عالم في الشطرنج؛ حيث نال ذلك في عمر 22، وانتهى به الحال إلى السجن، والآخر كان منافساً تقليدياً له، وقد قام كاربوف بزيارته في السجن حاملاً معه "علبة حلاوة طحينية" لمنافسه المعتقل.
إن من يلعب الشطرنج -وأنا الحمد لله تعلمته في الخامسة من عمري- يعلم أن اللعبة ليست مجرد أحجار ورُقعة، بل هي تتطلب حضوراً ذهنياً وصبراً وحرصاً وإدارة فريق، وفتح ثغرات ودفاع عن النفس، وكأنك تعيش معركة متكاملة، فإذا كان اللعب جماهيرياً ولنَيل بطولة، وكان خصمك أكثر من خصم شطرنج، سيصبح الضغط أكبر.
من إنجازات كاسباروف الأخرى:
1- فاز ببطولة الاتحاد السوفييتي للناشئين وعمره 13 سنة، وكرر الإنجاز ذاته العام التالي.
2- فاز ببطولة العالم للناشئين سنة 1980 بدورتموند، وحصل على لقب أستاذ كبير، وفي العام الموالي فاز ببطولة الاتحاد السوفييتي للشطرنج، وكرر الإنجاز سنة 1988.
3- فاز بأولمبياد الشطرنج ثماني مرات.
4- فاز ببطولة روسيا للشطرنج سنة 2004، وحصل على أحد عشر أوسكار شطرنج، تصدر ترتيب الاتحاد الدولي للشطرنج من 1986 حتى تقاعده في 2005، صنف كاسباروف الأول في العالم لمدة 225 شهراً من أصل 228 من مسيرته الاحترافية.
5- أصبح كاسباروف أصغر لاعب في التاريخ يصبح بطل العالم في الشطرنج، حين فاز آنذاك على كاربوف وعمره 22 سنة، ودافع عن لقبه حتى سنة 1993؛ حيث حدث خلاف بينه وبين الاتحاد الدولي للشطرنج أدى إلى تأسيسه لمنظمة منافسة تسمى جمعية الشطرنج الاحترافية (PAC)، واستمر في حمل لقب بطولة العالم الكلاسيكية التي تنظمها جمعيته، حتى خسر سنة 2000 أمام بطل العالم فلاديمير كرامنيك.
6- في 10 مارس/آذار 2005 أعلن اعتزاله للشطرنج؛ كي يتفرغ للسياسة والكتابة، حيث أسس حركة سياسية أطلق عليها الجبهة المدنية الموحدة، وانضم إلى تحالف معارض للرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسمى "روسيا الأخرى"، في 2008 أعلن ترشحه لرئاسة روسيا، لكنه اضطر للانسحاب لعدم استيفائه للعدد المطلوب من الأصوات للترشح، ويعتر كاسباروف رمزاً من رموز معارضة النظام الروسي، لكن الدعم الذي تلقاه كمرشح كان ضعيفاً، وحالياً يشغل مجلس إدارة مؤسسة حقوق الإنسان، ويرأس مجالسها الاستشارية الدولية.
أما كاربوف:
1- لاعب شطرنج روسي، عضو في مجلس الدوما الروسي.
2- بطل العالم الثاني عشر في رياضة الشطرنج.
3- بطل العالم حسب الاتحاد الدولي للشطرنج في السنوات 1993، 1996، 1998.
4- حمل لقب أستاذ دولي كبير منذ سنة 1970، ولقب أستاذ للرياضة (لقب للاتحاد السوفييتي) منذ 1974.
5- حاز بطولة الاتحاد السوفييتي ثلاث مرات (1988 – 1983 – 1976) بطل جمهورية روسيا السوفييتية الاتحادية الاشتراكية سنة 1970 وبطل العالم ضمن منتخب الاتحاد السوفييتي مرتين (1989 – 1985) يعد مشواره واحداً من أكبر الإنجازات في تاريخ لعبة الشطرنج، إذ فاز بما يزيد عن 160 دورياً عالمياً انفرد في الكثير منها بصدارة المرتبة الأولى.
6- يعد واحداً من أشهر هواة جمع الطوابع، إذ تقيم مجموعته حسب بعض التقديرات تقريباً بثلاثة عشر مليون يورو.
– يمكن الذهاب في قصتهما إلى أبعد من ذلك، فلقد تم إنتاج فيلم كامل تحت اسم "ملكان لتاج واحد" من إنتاج فرنسي روسي، كانت فلسفته أقرب إلى تصوير الحرب الباردة على رقعة الشطرنج، فلقد استخدمت حماسة كاسباروف -الذي خسر لاحقاً الشطرنج ولم ينجح سياسياً، وحتى الكيان الموازي للاتحاد العالمي للشطرنج الخاص به فشل بامتياز، وانتهى هو بذلك الكيان الذي صنعه بيديه- كقصَّة خاسرة، في كبح جموح الجيل الصاعد المتمرد الخارج على الحاكم في وقت لم يستقر الحكم للبعض.
– لقد كان لأسلوبهما في اللعب مقاربات كثيرة، واستخدم في بعض الأكاديميات السياسية كأسلوب للتفاوض وإنهاك الخصم، وتعرف السياسة الخارجية الروسية بذلك على المستوى الدولي.
– أيضاً كان لطريقتهما في اللعب مثال في إحدى "قواعد السطوة"، ذلك الكتاب الذي ألفه روبرت غرين، ويطلق عليه البعض اسم "كيف تمسك بزمام القوة؟ 48 قاعدة ترشدك إليها"، وهو من أكثر الكتب مبيعاً في العالم، وترجمه إلى العربية "البجيرمي"، المذيع السوري لبرنامج "طرائف من العالم"، وكان لهما ذكر أيضاً في الكتاب الآخر الذي ألفه أيضاً روبرت غرين "كاتب الاستراتيجيات العسكرية والحربية"، والكتاب يحمل اسم "33 استراتيجية للحرب".
– لقد قال مدرب كاسباروف له عندما حصل على لقب بطولة العالم: "إنني حزين عليك فلن تحصد لحظة أخرى في حياتك توازي هذا الشعور المفعم بالنجاح الذي حصلت عليه الآن"، وهذا ما حصل فعلاً، فلقد بدأت مسيرة كاسباروف تنحرف وتهبط تدريجياً، وقد ساهم هو بخرط نفسه بما لا يفقه به بإيصال نفسه إلى الهاوية التي يمكن القول عنها إنها هاوية إذا استمرت حالته قياساً بما حقَّق بسن 22.
– لقد لعب الإعلام دوراً كبيراً في إيهام كاسباروف أن لديه قوة للتمدد خارجاً، وفعلياً هذه القوة وهمية افتراضية كثيراً ما يشعر بها الناجحون حتى يومنا هذا، فيعتقد أن وصوله لهدف أو منصب أو جائزة أو حتى منصة افتراضية قد أصبح لديه من القوة؛ ليصبح محللاً وفقيهاً وشاعراً وأديباً ودكتوراً ورئيس دولة وقائد دفاع ورونالدو وميسي وسوبرمان، إلى أن تأتي لحظة الحقيقة؛ ليعرف أنها كانت ليست إلا وهمية.
– لا يقتنع الكثيرون بأن النجاح أحياناً مضر، وأنه يجلب الهزيمة إذا لم يسيطر عليه صاحبه، ويتبع أسلوب إدارة النجاح، وكمثال آخر: "برتني سبيرز"، المطربة الأميركية ذات مواليد 1981، والممثلة التي كانت بطلة فيلم الرجل العنكبوت "كريستين دانست"، ذات مواليد 1982، كلتاهما وصلت إلى حد كبير من النجاح في سن صغيرة، ولكن "برتني" بسبب غياب مقومات إدارة النجاح، وصلت إلى مشفى الأمراض العقلية، والأخرى "كريستين" ما زالت حتى الآن تحصد المراتب الأولى.
– لو نظرنا إلى الفطرة الإنسانية، فأفضل عمر لتكليف الإنسان في المهمات اللااعتيادية هو الأربعون، وهي سن بدء النبوَّة؛ لذلك علينا عدم الحزن إذا شعرنا أن قدراتنا تؤهلنا إلى ما هو أكبر مما نفعله، فهو ربما نعمة من الله.
– فعندما لا تنجح في أمر ما فاعلم أن الله -سبحانه وتعالى- يعلم أن هذا خيرٌ لك، إما لأنك غير مستعد له بعد، أو لأنك لن تقدر على تحمله الآن، أو لأن هناك قادماً أفضل لك، فارضَ بما كتبه الله لك، وابتسِم ولا تعجز (محمد متولي الشعراوي).
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.