عندما نسمع كلمة التفاؤل مقترنة بالسياسة، فإن الذي يتبادر إلى أذهاننا هو ذلك المشهد في فيلم "أيام السادات"، عندما كان الإعلام المصري يروج للانتصارات المبهرة للقوات المصرية، وعن إسقاط مئات الطائرات الإسرائيلية في نكسة 67، في هذا المشهد كانت السيدة جيهان السادات (الفنانة منى زكي) منبهرة وسعيدة بالانتصارات، وعندها قال لها الرئيس السادات (الفنان أحمد زكي) بصوت يملأه الحزن عبارة مفادها أنه "لا يمكن لعقل أن يستوعب تلك الانتصارات"، فقالت له السيدة جيهان السادات: "وهو الإعلام هيكذب ليه!"، فرد الرئيس السادات بأن "الإعلام يكذب عندما تكون هناك مصيبة، ولكن عندما يكون بهذا التفاؤل فتأكدي أنها كارثة، وستكون آثارها كارثية على الجميع ".
اليوم في ظل إخفاقات كثيرة على المستوى السياسي المصري، تحاول الحكومة ممثلة في جهازها الإعلامي إجبار المواطنين على التفاؤل بدعاية فاشلة تستدعي انتصارات وإنجازات وهمية هنا وهناك.
مصر التي كانت دائماً مفتاح الحل لأزمات أفريقيا والشرق الأوسط، أصبحت في تلك الأوقات متقوقعة على نفسها، لا تمتلك من الآليات ما يجعلها تستعيد وضعها الإقليمي.
أزمات ما بين سد النهضة ودول عربية مفتتة تنتظر قرار التقسيم، وجامعة عربية أعلنت وفاتها في قمتها الأخيرة التي كانت شاهدة على هذا الواقع الأليم، ومجتمع دولي يتلذذ بتبادل المصالح على حساب الدماء العربية الأصيلة…كل هذا وأكثر، والحكومة تستدعي ابتسامة ناصر البلهاء الذي يرى نفسه زعيماً في أحلام اليقظة، ولكنها زعامة خاوية لا ترتكز على أسس متينة.
أصبحت مصر وكأنها في القرون الوسطى تفتخر باستقبال الزعماء لرئيسها، ولا تسأل ماذا فعل رئيسها! وما نتائج تلك الزيارات! ما الذي يجعلنا ننفق الملايين على الدعاية للتفاؤل السياسي، ربما لو كان الأمر يدفع للتفاؤل على أرض الواقع فلسنا في حاجة لدعاية!! ربما واقع التجارب التفاؤلية في السياسة المصرية يدفعنا إلى القول بأن هناك علاقة طردية بين حجم التفاؤل ومدى ضخامة الكارثة.
الواقع السياسي المصري في تلك المنطقة المشبعة بالأزمات المعقدة هو أكبر من الاهتمام بالتفاؤل والتشاؤم، التجارب التاريخية تحدثنا بأن الإفراط في التفاؤل أو التشاؤم قد أوقعنا في أزمات كثيرة.
الإفراط في التفاؤل
أيام الرئيس جمال عبد الناصر أوقعنا في النكسة، لقد كان تفاؤلاً مبالغاً فيه صوّر مصر كأنها قوة كبرى تمتلك صواريخ القاهر القادرة على الوصول إلى تل أبيب، وغيرها من الإشاعات الأخرى التي أطلقها نظام عبد الناصر، وكانت النتيجة هي الاستفاقة على النكسة بعد فقدان وتدمير قوتنا العسكرية والاقتصادية، بل وفقدان الأرض العربية.
الإفراط في التشاؤم
أيام الرئيس السادات بعد حرب 1973 وفى عهد الرئيس مبارك، حيث اقتنع الرئيسان بأن الملف كله في يد أميركا، وأننا لا نملك من الأمر شيئاً، وعلينا أن ننساق مع الغرب في جميع التجارب، وذلك لكونهم متقدمين.
نتائج هذا التشاؤم كانت وخيمة، ووقعنا في تبعية لا تحمد عقباها، وأصبحنا تحت رحمة القرارات الدولية المجحفة للحقوق العادلة للشعوب العربية والمساندة للأنظمة القمعية التي لا تعرف سوى رعاية مصالح أميركا والقوى الانتهازية، وأيضاً امتد هذا الشعور إلى جميع الدول العربية وأصبحنا نرى أن الاستسلام إلى الإرهاب الإسرائيلي هو الحل، وهو طوق النجاة من الأزمات!!
بعد كل هذا، قد يتساءل أحدهم: ماذا نفعل إذا لم نشعر بالتفاؤل أو التشاؤم؟..الرد هنا سيكون هو إدراك الواقع والتعامل مع معطياته بإيجابياته وسلبياته، هذا الشعور هو الذي يؤدي للنجاح بحكم التجارب، لن أذكر تجارب الدول الأخرى، وإنما سأذكر التجربة التي عايشها شعبنا وحقق الانتصار بفضل هذا الشعور, إنه نصر أكتوبر.
تلك المعركة بدأت بإدراك الواقع والتعامل مع معطياته بإيجابياته وسلبياته:
أولاً: الرئيس السادات يختار الفريق سعد الدين الشاذلي لرئاسة الأركان وفقاً لمعيار الكفاءة، بدلاً من أهل الثقة الذي كان أحد أهم أسباب فساد نظام عبد الناصر.
ثانياً: الاعتراف بأننا نستطيع فعل أي شيء طالما امتلكنا الإرادة والدافع، الرئيس السادات يعترف بأن الأمر كله يبدأ بنا وينتهي إلينا، وأن تحرير الأرض لن يكون بقرار أميركي أو قرارات الأمم المتحدة، وأن قرار التحرير سيكون بسواعد قواتنا المسلحة وشعبنا الباسل بكافة طوائفه، تلك هي الاستقلالية المصرية الحقيقية.
ثالثاً: التشاركية، لم يكن غريباً أن تكون جميع القوى السياسة بكل انتماءاتها شريكة في قرار التحرير، لم يتم استبعاد أحد.
هنا تحقق النصر، ليس بسبب الدعاية للتفاؤل أو التشاؤم، وإنما بسبب ما ذكرناه من قبل "حسن إدراك الواقع والتعامل مع معطياته بإيجابياته وسلبياته".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.