أستاذ العسكرية

سيذكر لؤم مدرسي العسكرية الذين يرون أنفسهم ضباطاً علينا ولا عمل لهم سوى شرب المتة ودخان الحمراء، سيذكرهم ويرى بعينه اليوم أنهم كبروا وشاخوا ولكنهم بقوا شبيحة أو مؤيدين للأسد، وذلك بعد رفع طلابهم السلاح في وجه الأسد، سيذكر أساتذة العسكرية، أن هذا الجيل الذي حمل السلاح، هم من دربوه عليه في سن طفولتهم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/29 الساعة 05:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/29 الساعة 05:46 بتوقيت غرينتش

لا بد أن كل سوري بعمر الثلاثين أو أصغر بقليل سيتذكر هذا (الأستاذ) في مراحل دراسته التي قضاها في مدارس البعث منذ طفولته وحتى سن الرشد، فإضافة إلى مادة التربية القومية التي تدرّسنا فكر القائد، ومنطلقات حزب البعث النظرية والتطبيقية، فقد كان هناك مادة أخرى وهي مادة التربية العسكرية، التي ترافق الطالب منذ الصف السابع في بداية المرحلة الإعدادية وحتى صف البكالوريا في نهاية المرحلة الثانوية، وهنا تتم تهيئته لمرحلة التدريب الجامعي العسكري.

سيتذكر طفولته عندما كان طفلاً بطول متر، والبعض ربما أقصر قليلاً، ذاهبا إلى المدرسة وهو يرتدي البزة العسكرية والتي كانت تسمى بين السوريين (بدلة الفتوة)، ويتم ارتداؤها مع حذاء الفتوة الأسود لتدخل المدرسة كجندي صغير يدخل إلى ثكنته العسكرية، تردد الشعارات التي لا يفهمها حتى أستاذ العسكرية الذي يقود هذا الجيش الصغير المسمى مجازاً (المدرسة).

بالنسبة لي أذكر أن أمي اشترت لي بدلة الفتوة وقد كنت قصير القامة، وكان أصغر قياس متوافر في السوق يبدو حجمه كبيراً عليَّ، ومع ذلك فقد تلافينا مشكلة طول البدلة بتقصيرها عند الخياط، لكن عرضها بقي واضحاً، وكنت خجلاً من الذهاب بهذا الشكل إلى المدرسة التي أنشئت حديثاً، المدرسة كانت كبيرة تشمل الإعدادية والثانوية، وقد أنشئت قبل وفاة باسل الأسد وبعد إتمامها كان قد توفي، فأطلق عليها اسم (مدرسة الشهيد الرائد الركن المهندس المظلّي باسل حافظ الأسد) هكذا كان اسمها، وهكذا كتب على بابها، وهكذا يجب أن تجيب إذا ما تم سؤالك من أي مدرسة أنت، هكذا دون نقصان أي كلمة من الكلمات التي سبقت اسمه.

أذكر في اليوم الأول أساتذة العسكرية الذين كانوا ينتظرون الطلاب المتأخرين خمس دقائق لمعاقبتهم، ويصطف الباقون صفة عسكر، يرددون الشعارات الهادرة بصوت لا يعجب أستاذ العسكرية ويطالبهم بصوت أقوى.

جمعتنا أمام الباب الخارجي أستاذة عسكرية أنثى وكانت تضع مسدساً على خاصرتها، وقد أثار هذا المنظر رهبة في داخلي؛ حيث كان هناك عدد من أساتذة العسكرية، يضعون مسدسات ظاهرة على خصورهم، وجيش من الطلبة يرددون شعارات غير مفهومة، أضف لذلك أنني كنت من بين المتأخرين المعاقبين، وأنتظر العقاب بخوف كبير لدرجة أني نسيت خجلي من بدلتي الواسعة.

ينتهي (مدرب العسكرية) كما كان يفضل أن يطلق عليه، إذ إن كلمة أستاذ كانت في الوسط العسكري في دولة البعث تعني الشتيمة وهي بمعنى (حيوان)، ويتجه نحونا بعد أن أدخل الطلاب بصفوف متراتلة بمشية عسكرية نحو صفوفهم، يومئ لآنسة العسكرية وطاقم مدربي العسكرية الآخرين أن اجلبوهم؛ لتبدأ هنا محاضرته التي تشنّع بما ارتكبنا بتأخرنا خمس دقائق في أول يوم دراسي، وأن ذلك سبب نكسة، وأنه رحيم بنا وسيكتفي ببطحنا على الأرض (بوضعية المنبطح) هذه المرة فقط ومرفقة بزحفة المنبطح حتى وصولك لباب المدرسة الداخلي، ولكنه وعدنا أنه لن يتسامح معنا في المرات القادمة.

وحيث كنت لا أعرف هذه الوضعية، إذ إنها لا تعني الضرب، فقد ارتحت قليلاً وعملت كما عمل الطلاب الأكبر مني سناً وانبطحت على الأرض، وحين جاء دوري ضربني بالعصا، بمعنى ازحف، وبالفعل فقد زحفت مسافة العشرة أمتار ووقفت عند الباب، واتجهت إلى صفي الذي يسمى (شعبة) وهي إحدى مصطلحات البعث.

هنا أصبحت بدلتي العسكرية ممسحة، إضافة لأنها واسعة أصلاً، لكني ارتحت أكثر عندما وصلت إلى صفي ورأيت كل بدلات الطلاب عريضة عليهم.

سيذكر من يقرأ كلامي الكنزة العسكرية الشتوية التي يجب عليه ارتداؤها تحت البدلة في الشتاء.

سيذكر البندقية البلجيكية والبندقية التشيكية التي درسونا إياها مع أنها كانت منسقة في المتاحف، سيذكر كل الوضعيات الجاثية والمنبطحة ومشية البطة والنظام منضم وطريقة أداء التحية العسكرية لقائدك، سيذكر (التصدي للإمبريالية والرجعية وسحق أداتهم المجرمة عصابة الإخوان المسلمين العميلة) الشعار الذي نردده كل صباح ونقسم برفع الذراع أنه عهدنا، دون أن نفهم حرفاً منه، سيذكر أن مساعد أول في الجيش يرسلونه ليصبح أستاذ عسكرية علينا، وأنه ربى أجيالاً على الخنوع والذل.

سيذكر لؤم مدرسي العسكرية الذين يرون أنفسهم ضباطاً علينا ولا عمل لهم سوى شرب المتة ودخان الحمراء،
سيذكرهم ويرى بعينه اليوم أنهم كبروا وشاخوا ولكنهم بقوا شبيحة أو مؤيدين للأسد، وذلك بعد رفع طلابهم السلاح في وجه الأسد، سيذكر أساتذة العسكرية، أن هذا الجيل الذي حمل السلاح، هم من دربوه عليه في سن طفولتهم.

أذكر حادثة جرت في السنة الرابعة للثورة، وكانت الليرة السورية في تدهور يومي ولا أحد يتعامل بها في الصفقات الكبيرة، أذكر أن رجلاً مسناً باع أرضه بمبلغ 17 مليون ليرة سوريا، وعند الدفع أخرج الشاري الدولارات ليدفع ثمنها، لكنه رفض أن يقبض بالدولار، وأصرّ أن يقبض ثمنها بالليرة السورية.

استغربت الحادثة واستهجنت غباءه، وعندما سألت عنه أجابوني، إنه بعثي وكان فيما مضى أستاذ عسكرية.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد