مصر التي غنت لها أم كلثوم عام 1952 أغنية "مصر التي في خاطري وفي فمي" لم تعد تشبه مصر التي تعيش الآن في جلباب السيسي! فحالة السخط والتذمر التي يعيشها المصريين جميعاً، سواء أكانوا مؤيدين للنظام أو معارضين له، لا يمكن حصرها، بل "حدِّث ولا حرج"، والفضل في ذلك يعود إلى فشل نظام السيسي الذريع في تحقيق "ألف باء" العدالة الاجتماعية، وتردي الوضع الاقتصادي الداخلي بصورة غير مسبوقة، وغياب الحريات في ظل تعنت قوى الأمن والشرطة، وانهيار المنظومة التعليمية انهياراً كبيراً، وتزايد البطالة وغلاء الأسعار وغيرها.
كل هذه التداعيات غيّرت من وجه مصر إلى حد استشكلت فيه على المصرين قبل غيرهم، وهذا ما شهد به "شهود" وليس شاهداً واحداً من أهلها، الذين ما إن تسألهم عن حالهم وحال بلادهم حتى يتساءلوا مباشرة وبلسان واحد: "مصر! هي فين مصر؟"، " مصر ما بقتش مصر"، " هي دي مصر؟".
السيسي الذي ينظر إلى فقراء شعبه بعينه العوراء، هو ذاته الذي ينظر إلى ضباط الجيش والشرطة بعين صحيحة ثاقبة البصر، ذلك لأنه عندما حاول سد عجز ميزانية بلاده لجأ إلى جيوب الفقراء والعاطلين عن العمل، عن طريق رفع أسعار السلع الأساسية قرابة 50% والكهرباء والوقود، دون أي زيادة تذكر في الأجور أو توفير فرص عمل جديدة، كان في المقابل يزيد من رواتب الجيش والشرطة ويمنحهم امتيازات وظيفية في المقابل! وفي الوقت الذي كمم فيه أفواه الصحفيين والكتاب وزج بآلاف المتظاهرين في السجون، كان يمنح الشرطة والجيش "الكارت الأخضر" إزاء أي تجاوز أو تعدٍّ من قبلهم! ولولا هذا الكارت لما تجرأ ضابط شرطة على قتل بائع جوال لمجرد مطالبته بثمن كوب من الشاي! ولولاه لما أقدمت الشرطة على قتل طالب الدكتوراه الإيطالي "ريجيني" وتعذيبه ظناً منهم أنه مصري الجنسية!
السيسي الذي لا ينفك يدّعي في كل مناسبة وخطاب له أن الله خلقه "طبيباً" يشخص أوجاع مصر ويصف لها العلاج المناسب، وأنه مرسل من الله لنجدة مصر وإنقاذها، شوَّه صورة مصر دولياً وعالمياً، حتى أصبح ذكرها حاضراً في كل محفل يذكر فيه تدهور حقوق الإنسان وتردي الحريات، وهذا ما صرحت به والدة الطالب "ريجيني" أمام البرلمان الإيطالي قائلة: "لقد قتلوا ابني وعذبوه كما لو كان مصرياً"، وهو الذي أشبع شعبه وعوداً وخطابات جوفاء لا أرض لها ولا سماء، ابتداء بتعهده بتوفير حياة كريمة للبسطاء، فأصبح أكثرهم يعيش تحت خط الفقر المدقع! ومرورا بـ"مصر اللي أد الدنيا" فاقتطع منها جزيرتي "تيران" و"صنافير"، وانتهاء بالمشاريع الوهمية أو شبه الوهمية، كمشروع المليون وحدة سكنية الذي انتهى بخلاف مع الشركة المنفذة "أرابتك" الإماراتية، ومشروع العاصمة الجديدة التي أعلن عنها في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، وانتهى أيضاً بخلاف بين الحكومة وبين شركة "إعمار" الإماراتية، ومشروع استصلاح المليون فدان الذي توقف بعد إنجاز 25%منه فقط، بسبب العجز المائي وأزمة سد إثيوبيا، والشبكة القومية للطرق الذي لم يشهد النور منذ يومه الأول، ومشروع قناة السويس الذي نال صيتاً دعائياً أضخم بكثير من حقيقته.
كل هذا وذاك لا يعدو أن يكون سوى " فنكوش" وهمي باعه السيسي لشعبه، مقابل تصوير نفسه على أنه القائد الفذ الذي لا مثيل له، وإن كان على حساب شعبه الذي توسم فيه الخير يوماً!
السيسي الذي حمّلته جريدة "إيكونوميست" المعروفة بدبلوماسيتها الشديدة مسؤولية تردي الاقتصاد المصري: "السيسي يجعل الأمور أسوأ"، يعزو دائماً فشله وفشل نظامه إلى "أهل الشر" و"الإرهاب" و"الإخوان" المنتشرين داخلياً وخارجياً، والساهرين ليل نهار لإحباط مخططاته، حتى قاد مصر إلى الدرك الأسفل عالمياً وإقليمياً، ففي المجال الاقتصادي حصلت مصر على المرتبة 142 من 178 عالمياً، وفي حرية الصحافة 159 من 180، ومن حيث الفساد 94 من 175، ومن حيث سوء التعليم الأساسي 141 من 144، وفي التعليم العالي المرتبة الأخيرة من 178، مما اضطر عملاق الاقتصاد " بلومبيرغ" إلى توجيه نقد لاذع للسيسي متجاهلاً كل الكلمات المهذبة حين قال: "السيسي هو سبب خراب اقتصاد مصر"، و"إن أموال قرض الصندوق الدولي لن تكون على الأرجح سوى أموال إضافية سيُساء استخدامها من قِبل السيسي ونظامه". وأضاف "بلومبيرغ" قائلاً: "إن اللوم كل اللوم يقع على السيسي الذي بدد حِزَم المساعدات المصرية في مشاريع ضخمة مشكوك في قيمتها الحقيقية".
السيسي الذي أمضى قرابة الأربعة عقود في الوظيفة العسكرية، تولى فيها قيادة المخابرات العسكرية ووزارة الدفاع، قد ألف على ما يبدو نظرية "المؤامرة" ومنهج "السمع والطاعة" العمياء؛ لذا فهو يسعى جاهداً إلى تضخيم ما يتعرض إليه من صعوبات وعراقيل، ولا ينفك يبحث لنفسه عن أعداء ولو خياليين طوال الوقت، حتى يغض أبصار المصريين عن عجز سياسته وضعفها، متجاهلاً الإجابة عن سؤال شعبه الدائم: "أين ذهب السيسي بأموال المساعدات السعودية والإماراتية التي تلقاها منذ 27 شهراً والمقدرة بـ17 مليار دولار؟"، ولا يعير أدنى اهتمام لحاجة شعبه الذي طالما خطابهم قائلاً: "أجيب لكم فلوس منين؟" و"لو أقدر أبيع نفسي هبيعها"، ويدعوهم إلى تحمل سنوات الفقر العجاف والوقوف إلى جانب مصر ولو بـ"جنيه"، كان يعقد صفقة لشراء أربع طائرات فخمة من طراز "فالكون 7 إكس" الفخمة والباهظة الثمن لطاقمه الرئاسي بقيمة 300 مليون يورو من شركة "داسو" الفرنسية!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.