أعيد السبت 24 سبتمبر/أيلول 2016 انتخاب اليساري جيريمي كوربن رئيساً لحزب العمال البريطاني، ما يترك الهوة كبيرة بين قاعدة الحزب وقيادته ويهدد حظوظ العماليين في العودة إلى السلطة سريعاً.
وقد اضطر كوربن للخضوع لتصويت جديد في وقت مبكر بعدما صوت 172 من أصل 230 نائباً في حزب العمال في حزيران/يونيو على مذكرة لحجب الثقة عنه منتقدين تأخره في الدفع نحو منع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وبإعادة انتخابه بـ61,8% من الأصوات يضيف كوربن الرافض للتقشف والمؤيد للهجرة نقطتين إلى رصيده الذي سجله العام الماضي، بفارق كبير عن منافسه الوحيد النائب عن ويلز أوين سميث (46 عاماً).
وعلى وقع التصفيق، سارع كوربن إلى دعوة حزب العمال إلى رص الصفوف، قائلاً لمعارضيه أمام مؤتمر الحزب المجتمع في ليفربول "فلنعمل سوياً من أجل تغيير حقيقي ولنفتح صفحة جديدة".
وبفوزه يضع كوربن حداً نهائياً لإرث رئيس الوزراء العمالي السابق توني بلير الذي أثارت سياسته الوسطية وقراره التدخل في العراق عام 2003 معارضة الآلاف من أعضاء الحزب.
ويعود فوز كوربن بشكل كبير إلى الأعضاء الجدد في الحزب. فقد حصل 300 عضو جديد على بطاقاتهم الحزبية السنة الفائتة ليضاعفوا بذلك عدد أعضاء الحزب الذي أصبح الأكبر في أوروبا.
وأدى مشروع "الثورة الديمقراطية" والأفكار التي تميل إلى أقصى اليسار لدى "الرفيق كوربن" إلى جذب الكثيرين، ما غذّى اتهامات بتسلل ماركسيين قدامى وعناصر من أنصار حماية البيئة إلى حزب العمال.
على غرار بوديموس أو سيريزا
وقال باتريك دونليفي الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد "في كل أنحاء أوروبا، شهدنا نشوء أحزاب مبنية على حركات ناشطين مثل بوديموس في إسبانيا، أو النجوم الخمسة في إيطاليا، أو سيريزا في اليونان. ومع جيريمي كوربن يقترب حزب العمال من هذا الاتجاه".
أما المعتدلون المدعومون بنتائج استطلاعات الرأي، فيعتقدون أن هذه الاستراتيجية ستؤدي إلى بقاء حزب العمال في صفوف المعارضة على مدى سنوات عدة أو حتى عقود.
وقال أنان مينون أستاذ العلوم السياسية في كلية كينغز في لندن "إن النتيجة الأولى لإعادة انتخاب جيريمي كوربين هي أن حزب العمال لن يعود إلى السلطة قريباً".
وبالنسبة إلى المحللين فإن الانتخابات البرلمانية المقبلة عام 2020 ستصب في صالح المحافظين الموجودين في السلطة والذين يعتبرون في نهاية المطاف الفائز الحقيقي.
غير أن كوربن لا يوافق على ذلك إطلاقاً. وقال "سنقاتل من أجل الفوز في الانتخابات المقبلة في عام 2020".
وحتى قبل إعادة انتخابه، قال كوربن أنه "يمد يد السلام" إلى جميع النواب الذين أظهروا انقساماً خلال الصيف.
وبحسب أوساط كوربن فإن العديد من المعارضين يستعدون للانخراط في صفوف الحزب.
لكن الشتائم والتهديدات المتبادلة أثناء الحملة الانتخابية قد تترك ندوباً عميقة.
ولا يبدو أن المصالحة كفيلة بحل مشكلة قائد لحزب العمال غير مرغوب به من القيادة، رغم تأييد الناشطين له.
"كويكب"
ولا يبدو ممكناً التوفيق بين مواقف المعسكرين داخل الحزب في هذه المرحلة، إلى حد أن البعض يخشى على مستقبل الحزب. فالنواب المعتدلون المقتنعون بأن وجود كوربن يمنع عودة الحزب إلى السلطة، قد تغريهم فكرة الانفصال لخلق تيار جديد يساري وسطي.
لكن معظم المحللين لا يتوقعون سيناريو مماثلاً، على الأقل في المدى المنظور.
وقال توني ترافرز، من كلية لندن للاقتصاد إن "البعض سيدخلون إلى صفوف الحزب، فيما سيواصل آخرون التمرد. سيتحول حزب العمال إلى عائلة تعيسة تحاول التعايش".
وقد تؤدي أي هزيمة انتخابية مقبلة إلى تغيير في الحزب، علماً أن لا ضمانات تؤكد أن ذلك سيعني خروج كوربن ومؤيديه من الحزب.
وقال أنان مينون "الفكرة تكمن في بناء حركة اجتماعية، ومؤيدو هذه الفكرة مستعدون لأن يقبلوا بأن يستغرق ذلك وقتاً طويلاً. الأمر يتعلق بتغيير الحزب أولاً قبل التحضير للانتخابات" المقبلة.
وقال ستيفن فيلدينغ من جامعة نوتنغهام "إنها فرصة ذهبية ولن يدعوها تمر". وأضاف "حرب الاستنزاف ستستمر. ويجب أن يضرب كويكب الأرض من أجل أن يتغير ذلك".