انتخابات 7 أكتوبر: بين توالي الخيبات ورهان المستقبل

وبالعودة للتنظيمات الحزبية والولوج في عمق تركيبتها البشرية والفكرية نجد غياباً تاماً لما يصطلح عليه بالديمقراطية الداخلية في تسير دواليبها وتدبير اختلافاتها وتزكية مرشحيها بالإضافة إلى غياب تصورات لحلول بديلة لمشكلات المواطنين اليومية (البطالة والتعليم والسكن وارتفاع الأسعار...)، فالنقاش الفكري والمعرفي داخل هذا الكيانات ضرب من ضروب الخيال فتتشابه على المواطن ويصير التميز بينها منعدماً

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/23 الساعة 02:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/23 الساعة 02:05 بتوقيت غرينتش

اقتربت ساعة ثاني انتخابات في عمر سادس دستور للمملكة المغربية، هذا الأخير الذي كان نتيجة حراك شعبي قادته فئة عريضة من المجتمع، دستور أمل منه المغاربة الكثير، وانتظروا أن يصير مرحلة انتقالية، بعبارة أخرى جداراً زمنياً فاصلاً بين الماضي والمستقبل، مستقبل مشع بأنوار الديمقراطية والكرامة والحرية وجل القيم البراقة التي لطالما تغنى بها التاريخ، ليظل السؤال ماذا تغير بعد دستور فاتح يوليو/تموز ز 2011؟ هل السياسات المبتذلة والمتجاوزة لمكونات المشهد السياسي قد تم عبورها بكل سلاسة إلى شاطئ النسيان أم ما زلنا نعيش في كنفها بصورة منمقة ومحسنة المشاهد؟ هل حقاً ارتقينا إلى درجة نضج تجعلنا نضع فرضية نضوج المكونات السياسية وتبلورها بشكل حديث المتعارف عليه داخل المنظومة الاجتماعية والسياسية المعاصرة على كف الميزان؟ وهل لهذه الأخيرة الجرأة على ملامسة تطلعات الفئات الشعبية الهشة والمتوسطة أم أنها ليست سوى أدوات انتخابية ومكون مجتمعي يتم التعامل معه بطريقة براغماتية صرفة؟ كل هذه الأسئلة وأخرى في نفس سياقها تطفو إلى سطح النقاش ومن المجيب.

إن في ظل غياب مشاريع وإرادات سياسية بناءة تعلو بالمشهد السياسي المغربي، فإننا نظل في إطار حلقة مفرغة من الاستبلاد المجتمعي، وهذا يعكس عدة فراغات أخلاقية وفكرية للكثير من الزعامات الحزبية، مما يجعل الخطاب السياسي لهذه الزعامات يصل لأقصى درجاته الدنيا ويفتح باب التأويلات على مصراعيه مع وجود أحزاب سياسية لا تظم سوى كتل بشرية يجمع بينها روابط المصلحة الشخصية والكذب وقضاء أشياء في نفس يعقوب، فروابط هذه الكائنات مع القواعد أساسها الهشاشة وعدم الامتداد للعمق والاقتصار على رياضة امتطاء الظهور والاستغلال.

وبالعودة لمقتضيات الوثيقة الدستورية لفاتح يوليو 2011 التي جادت علينا بعدة دلالات إيجابية بشكل عام رغم الكثير من الأمور التي لم ترقَ إلى ما صدحت به الحناجر في الشوارع المغربية إبان تلك الفترة، لكن غياب إرادة سياسية حقيقية في ظل الخمس سنوات الفارطة من عمر الحكومة الأولى جعل من تعطيل تفعيل مقتضيات الوثيقة الدستورية من أهم اختلالات تدبير هذه المرحلة وعدم الاتجاه نحو التأويل الديمقراطي لمضامينها، الأمر الذي جعلنا أمام باب التطبيع مع الفساد واستمرار العيش مع بعض ممارسات الماضي وعدم تجاوزها.

فالرهان المطروح منذ أن انتهى عهد الحماية بالمغرب هو بناء إطار مؤسساتي قويم ينبني على تمثيلية ديمقراطية سليمة تنبع من إرادة شعبية حرة، لكن في كل مرة يقف هذا الأمر أمام خيار الإخفاق والتعثر والانكسار والعودة إلى الوراء، وما زال التاريخ يحتفظ بعدة صور ومشاهد قمة في البلادة في زمن كانت أجهزة المخزن هي المتحكم في العملية الانتخابية، وتلعب دور الحكم والاختيار متخذة موقف العداء أمام التوجه الديمقراطي، مما تركنا نسقط في كل مرة في براثين عدم الثقة وغياب الإرادة السياسية لتغير واقع الحال.

وبالعودة للتنظيمات الحزبية والولوج في عمق تركيبتها البشرية والفكرية نجد غياباً تاماً لما يصطلح عليه بالديمقراطية الداخلية في تسير دواليبها وتدبير اختلافاتها وتزكية مرشحيها بالإضافة إلى غياب تصورات لحلول بديلة لمشكلات المواطنين اليومية (البطالة والتعليم والسكن وارتفاع الأسعار…)، فالنقاش الفكري والمعرفي داخل هذا الكيانات ضرب من ضروب الخيال فتتشابه على المواطن ويصير التميز بينها منعدماً، وينحصر الصراع القائم بينها حول المقاعد والمواقع ولترشيح أصحاب المال والجاه رغم تلميعها المشهد من خلال مسرحيات محبوكة للقيام بحجب فراغاتها المؤسساتية.

محطة 7 أكتوبر/تشرين الأول هي محطة ستكشف لنا بالملموس هل دار لقمان ما زالت على حالها أم أن بصيص أمل سيرى النور؟ وهل سنرى نخباً سياسية قادرة على القيام بدورها التشريعي على أتم وجه؟ هل بإمكان الحكومة القادمة رفع مستوى التحدي وتجاوز تركات الماضي؟ هل خيار تفعيل دستور 2011 بأبعاد ديمقراطية حداثية سيعلن وجوده بأفق بناء للذات وبوابة لنظام ملكي برلماني كما هو متعارف عليه؟ هل سنعود بالزمن إلى الوراء ويتجسد خطاب العفو عن المفسدين وناهبي المال العام أم سنعمل بشكل صارم وقوي بمبدأ المسؤولية والمحاسبة؟ هل سيتم خلق سياسية واضحة من أجل حل معضلة منظمتنا التعليمية وإعادة الاعتبار للمؤسسة العمومية أم أنه سيتم تكريس الخصخصة وتوسيع الهوة بين الفئات المتمدرسة كماً وكيفاً؟ هل سيتم تبني خيار اقتصادي تنموي حقيقي قادر على رفع شعار التطوير والخروج من مستنقع الركود والديون؟ هل حقاً ستتم الإجابة عن المطالب الشعبية في العمل والسكن والتربية؟ وهل؟ وهل؟ وهل؟…. كلها أسئلة مشروعة تتبادر في ذهن كل متتبع للمشهد السياسي المغربي آملاً في مغرب أفضل قوامه كل القيم التي ترقى بالمجتمع لتبني أسس المواطنة الحقة؛ ليظل المستقبل هو الكفيل الوحيد بالإجابة عن جل هذه التساؤلات.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد