تحية فلسطينية للطيران الحربي

لست ولا هو خبراء عسكريين، وإنما حملنا خبرة ممتدة على مدار سنوات، خبرة مصحوبة بالحزن والألم، كيف دمرت هذه الآلات القاتلة فلسطين والعراق، وكيف قتلت الآلاف ن المدنيين الأبرياء، ودمرت الحضارة والتاريخ.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/20 الساعة 07:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/20 الساعة 07:01 بتوقيت غرينتش

الطيران الحربي على مستويات منخفضة.. الرجاء التلويح بالأعلام.. مهلاً ما الذي يجري هنا؟، ليست هذه العبارة المعتادة، فالتنويه الذي تعودنا عليه، وأصبح جزءاً من اللاوعي عند فلسطينيي غزة هو: الرجاء أخذ الحيطة والحذر، فكيف نرفع الأعلام تحية لهذه الطائرات القاتلة؟، التي لا ترحم الأجساد الغضة البريئة، وقلوب الأمهات الناعمة، ولا تستثني من عدوانها مدرسة ولا مسجداً ولا مستشفى.

"مسلمة" ذو الأعوام الخمسة، لم يصدق أحد غير عقله، فهو يعرف هذا الصوت جيداً، فر هارباً نحونا، فضحكنا لصنيعه، استغرب ما رآه منا، إذ ليست هذه هي العادة، أظنه كان يتوقع أن يحمله والده ويبتعد به بعيداً، يخبئه في حضنه، حتى لا تراه الطائرات، فهي كما يعتقد تستهدف الأطفال، فلربما ارتكبوا جريمة من حيث لا يعلمون، ربما فعلها وفعلها أطفال غزة حينما لعبوا مع أقرانهم أكثر من اللازم.. أو اشتروا الحلوى فأخذ بعضهم حصة صاحبه.. لا.. على الأرجح أنهم عرفوا السبب.. لقد جاء الطيران ليقتص منهم بعدما تشاكسوا مع بعضهم وارتفعت أصواتهم.. فقد قيل لهم دائماً: العبوا معاً دون شجار، لكن حتى وإن غلبتهم طفولتهم فنسوا ففعلوا، هل يستدعي ذلك حضور الطائرات وتهديدهم بالويل والثبور؟!

عذراً يا سادة.. ففي هذا اليوم، الحادي والثلاثين من أغسطس/آب من كل عام تحتفل ماليزيا بعيد الاستقلال الوطني، في هذا اليوم من عام 1957م نالت البلاد استقلالها، متخلصة من الاستعمار البريطاني، ذلك الاستعمار الذي سلم فلسطين للعصابات الصهيونية، بعد أن توافقت مصالح الحركة الصهيونية العالمية مع الإمبريالية العالمية، وعقد اتفاق استراتيجي مصيري، تتكفل بموجبه قوى الاستعمار الغربي بدعم الكيان الجديد بالمال والسلاح، أما هو فيبذل كل طاقته في منع قيام وحدة سياسية واقتصادية بين الدول العربية والإسلامية.

في يوم الاستقلال أو (Merdeka) بلغة الملايو، وكذلك قبله، لم تكفّ الطائرات الحربية عن التحليق في العاصمة الماليزية، في إحدى هذه الطلعات الجوية، كان موقف آخر، كنت بصحبة مجموعة من الأصدقاء، "محمد" وهو أحد الزملاء العراقيين، قال على الفور "إف 16″، قلت "نعم"، ثم تركنا من كان حولنا، وبدأنا نتحدث عن أنواع الطيران الحربي، وكيف ينفذ غاراته، وحجم الدمار الذي يخلفه هذا النوع وذاك، وكيف أصبح الصغار قبل الكبار يميزون أصوات الصواريخ، وقذائف الدبابات والبوارج، وغيرها.

لست ولا هو خبراء عسكريين، وإنما حملنا خبرة ممتدة على مدار سنوات، خبرة مصحوبة بالحزن والألم، كيف دمرت هذه الآلات القاتلة فلسطين والعراق، وكيف قتلت الآلاف ن المدنيين الأبرياء، ودمرت الحضارة والتاريخ.

طار الفكر إلى هناك، فعيد الاستقلال الماليزي يأتي بعد أيام من طلعات جوية للطيران الحربي الصهيوني، نفذ فيها غارات على عدة مواقع في القطاع، وطلعات استفزازية أخرى مستمرة، للجنود والمستوطنين في الضفة الغربية، يتم فيها اعتقال المواطنين، والتنكيد على الناس، والتضييق عليهم في أعمالهم وأرزاقهم.

نجحنا في إقناع "مسلمة" وبقية الأطفال من حولنا، أنه طيران غير معادٍ، ثم وجهنا له التحية معاً، أما أطفال غزة فمن يحميهم من طائرات العدو؟

على كل حال هنيئاً لك ماليزيا بعيد الاستقلال، وهنيئاً لك فلسطين بمقاومتك الحرة.. بمقاومة الرجال والنساء والأطفال.. بإصرارهم على الحياة والصمود في وجه الطائرات المعادية.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد